لم يكن ما جرى مفاجئاً، فالبعض المتابع والمواكب لمسار الأوضاع التي جرت في الساعات الماضية، يؤكد أن ثمة خطة قد يكون اتفق عليها للخروج من المعضلة المالية والإقتصادية، بمعنى لجم الشارع وتخفيف الإحتقان السائد، بعدما باتت الحكومة محشورة في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار، وصولاً إلى غياب أي خطة إقتصادية حقيقية، لا بل أن الأمور كانت ذاهبة باتجاه دفع الجميع إلى اتخاذ خطوات قاسية، وأقلّها الإستقالة أكان على الصعيد الحكومي، أو ربما أكثر من ذلك في إطار هذا التدهور المريع على كافة المستويات. ويتابع هؤلاء، بأن معلومات وثيقة قد صبّت في خانة التظاهر الخاطف دون سابق إنذار، ودون أي دعوات إعلامية، وربطاً بذلك، جرت «قبّة باط» واضحة المعالم لتسهيل التظاهر لأول مرة منذ 17 تشرين الأول الماضي يوم انطلقت الثورة في كل المناطق من دون استثناء، وبعيداً عن الإعلام والأضواء بحيث تم النقل التلفزيوني بعد انطلاق معركة الإحتجاجات بأكثر من ساعتين عندما امتلأت الشوارع، على أن يكون هناك ثمناً كبيراً في السياسة من خلال الوصول الى إقالة من يجري تحميلهم المسؤوليات من دون سواهم.
ومن هنا، فإن توحيد التظاهر بين الساحتين الموالية والمعارضة كان عن سابق تصوّر وتصميم، من خلال هذه الخطة التي أُعدت بعناية تامة، ولكن «حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر»، بحيث علم أن الرئيس نبيه بري، هو الأكثر إطلاعاً وخبرة في حال جرت عملية إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أو استقالة الحكومة، لأن ذلك سيُدخل البلد في المجهول ويؤدي لانهيار أكبر على الصعيد الإقتصادي، لأن المسؤولية ليست محصورة بالحاكم وهذا ما يعلمه الجميع.
أما على خط الحكومة، فقد عُلم أنه خلال لقاء بري ـ جنبلاط الأخير، كان التوافق على ضرورة التهدئة، في ظل رؤيا مشتركة بين الرجلين حول الحكومة، إذ على الرغم من نظرتهما المشتركة بأن هذه الحكومة لن تقوم بالمعجزات، وهما يرغبان بتشكيل حكومة توافق وطني برئاسة سعد الحريري، لأن المرحلة تقتضي ذلك، فهما يعتبران حكومة الرئيس دياب، وعلى «علاتها» أفضل من الفراغ في هذه المرحلة المصيرية، إذ ثمة استحالة، في حال سقطت في الشارع، أن يتم إيجاد البديل عنها بالسرعة المطلوبة نظراً للإشتباك السياسي الحاصل في البلد، وحيث الشارع لا يقبل بمن كان سابقاً في الحكم، بمعنى أن كل الخيارات مطروحة، وكان تناغم على أن تستمر الحكومة إلى نهاية العهد، وبعدها لكل حادث حديث، إلا إذا حصلت ظروف إستثنائية دفعتها إلى الإستقالة.
وفي ظل هذه الأجواء، فإن المساعي الأخيرة قد صبّت كلها في مصلحة إحداث صدمة إيجابية في سعر صرف الدولار وعدم ارتفاعه من جديد، وصولاً إلى السعي لتثبيت سعره ومراقبة أسعار السلع والمواد الإستهلاكية، والقيام بخطوات ناجحة من أجل إقناع الثوار الذين عادوا مجدّداً إلى الشارع.
في المقابل، كشفت معلومات سياسية، عن أنه في ضوء تصفية الحسابات بين مكوّنات الساحة المحلية، واستمرار الإشتباك الإقليمي، فإن القوى الخارجية لا تزال قادرة على إحداث بلبلة في الداخل اللبناني، ولهذه الغاية تبقى اللعبة مفتوحة على كافة الإجتمالات، أكان على مستوى تحريك الشارع، أو على مستوى حصول مفاجآت، لأن الوضع المأزوم يحتاج إلى خطة على صعيد التفليسة الحالية، وهذا الأمر غير متوفّر نظراً للإنقسام الداخلي، وغياب أي دعم من المجتمع الدولي للبنان في الوقت الراهن.