IMLebanon

بري وجنبلاط.. و«احتراف» تعبئة الفراغ

في جولته على القيادات المارونية قبل أسابيع، ظنّ كثيرون ان وليد جنبلاط يحمل معه بذور حلّ ما. عملياً لم يتحدث «البيك» سوى في العموميات. آثر كلياً الابتعاد عن زواريب الداخل، وأولها زاروب التمديد.

أما في ملف الانتخابات الرئاسية فدخل في صلب الموضوع مباشرة وخرج منه بلمح البصر «هنري حلو مرشحي للرئاسة».

إنها هواية وليد بيك في تعبئة الفراغ..

قبل اسابيع تكدّست لوائح الاغذية الفاسدة على طاولة وزير الصحة وائل ابو فاعور. أمام عدد قليل من الاصدقاء كان أبو فاعور يتحدث عن هول ما تتضمّنه هذه اللوائح والتقارير من فضائح بالجملة قد تُسقِط حكومة في بلد يعرف معنى المحاسبة!

بعد 30 عاماً من توليه، مع وزرائه، عددا من الحقائب الدسمة التي حمل بعضها عنوانا براقا للفساد في الحكومات المتعاقبة، لم يقرّر جنبلاط رفع الغطاء السياسي عن ملفات حيوية وهامة، كالغذاء الفاسد والمياه الملوثة، إلا في زمن «داعش» والتمديد المغضوب عليه.

ما إن تلقى الرفيق ابو فاعور الامر من «البيك» حتى تحرّكت «أساطيل» الصحة ضد بائعي الموت البطيء. لا تتوقف المسألة طبعاً عند رغبة جنبلاط في محاربة الفراغ السياسي بإلهاء اللبنانيين بما يدخل معدتهم. «البيك» منزعج كثيرا من هذه الظاهرة «الداعشية» في الغذاء، ووجد ان الوقت قد حان لإقفال دكاكين اللحم الفاسد. لا ضير أن تأتي «صدمة السالمونيللا» بعد صدمة التمديد.

آخر هوايات جنبلاط في قتل الوقت الضائع ومحاربة الفراغ، الساعات الطويلة التي يقضيها مع متتبّعيه بالآلاف على «تويتر». في آخر تغريداته بشّر بزيارة قريبة مع اكرم شهيب وابو فاعور وصديقه رياض الاسعد الى المسلخ، وأكد ضرورة الاستمرار في محاربة المسؤولين عن «لوبي تدمير صحتنا»، فيما عاب على بعض الوزراء عدم تأييد ملف صحة الغذاء والوقوف الى جانب مصلحة المواطن!

تغريدة واحدة كانت كفيلة بإيقاظ الهمم النائمة من أجل تبييض صفحة المسالخ. محافظ بيروت يظهر فجأة في مسلخ بيروت، ورئيس بلدية صيدا يتفقّد مسلخ صيدا، فيما «البيك» منشغل بالردّ على المغرّدين على صفحته.

لكن وليد جنبلاط يبدو هاوياً أمام الرئيس نبيه بري في محاربة بعبع الفراغ. من عين التينة، وليس من دارة اي مرجعية سياسية أخرى، تصاعد دخان الإيحاء بأن التمديد ولد و«رزقته» معه. يصرّ بري المتفائل، على وجود مؤشرات بحلحلة خارجية ستنعكس تلقائياً على ملفات الداخل، على رأسها انتخابات رئاسة الجمهورية.

في مقابل بائع الآمال، يقدّم حلفاء بري في السراء والضراء مقاربة مغايرة يستنتج منها ان الرهان هو على مؤشرات لا أعمدة أساس لها، وأن المرحلة ليست مرحلة حلول جزئية. إما سلّة كاملة من الحلول وإما لا شيء. التمديد فقط كسر القاعدة بعد ان اصبح مطلوباً من الجميع.. وبعده الفراغ البنّاء!

جميع الذين أحاطوا برئيس مجلس النواب في عين التينة يوم الاثنين، في أولى جلسات «الإرشاد»، من أجل تواصل أكثر إنتاجية في ملف قانون الانتخابات، خرجوا بانطباع ان القصة طويلة.. تماماً كما قصة رئاسة الجمهورية نفسها.

طلب العماد ميشال عون تحديد جلسة لتفسير الدستور في المادة 24 المتعلقة بالمناصفة زاد طين المربكين بلّة. على ما يبدو، لن يقدم «الجنرال» على الدخول مجدداً في منظومة التفاوض حول قانون الانتخاب قبل ان يعترف الاخرون بنياتهم في كيفية ترجمة كلمة مناصفة الى واقع والإقلاع عن سياسة «تشبيح المقاعد».

سيحاول بري جاهداً مع داعميه التوصّل الى صيغة انتخابية موحّدة تحط رحالها في الهيئة العامة لتجنيب المتخاصمين معركة «التناتش» على القانون الافضل تحت قبة البرلمان. هذا ما فعله بعد التمديد الاول من دون نتيجة، ويكرّره اليوم مع تلويحه بعصا الإحالة الى حلبة الحسم. وهنا لحلفاء بري ما يقولونه في هذا السياق.

حصل التمديد رغماً عن إرادة ميشال عون، لكن هذا السيناريو لن يحصل لا في قانون الانتخاب ولا في انتخابات رئاسة الجمهورية. هكذا وبعدما انهار «جدار الفصل» بين «8 و14 آذار» من أجل تطويل عمر المجلس الحالي، فإن المتاريس سترتفع مجدداً وفق معايير الفرز السياسي السابق.

قانون الانتخاب هو شكل من أشكال تكوين السلطة ولا يشبه بشيء معركة التمديد. لذلك ستكون إستراتيجية القتال الانتخابي بشأنه موحدة بين «8 آذار» وميشال عون، وفق تأكيدات هذا الفريق.

عليه، سيعبّأ فراغ ما بعد التمديد، بإشراف بري ومساندة مباشرة من جنبلاط، بجولات من التطاحن حول جنس القانون.

تقول إحدى شحصيات «8 آذار» إن «القانون المختلط الذي تقدّم به بري كفيل وحده بفتح الأبواب على جهنم الصيغ المتضاربة، خصوصاً أن لا معيار محدداً لكيفية تقسيم الدوائر وتوزيع عدد النواب وفق النظامين الاكثري والنسبي. باستطاعة كل فريق على الطاولة ان يفصّل قانون المناصفة على قياسه بما يمنحه الاكثرية التي يطلبها. أما القانون المقدّم من جانب الثلاثي تيار المستقبل والقوات والاشتراكي فهو مرفوض سلفاً من قبلنا كونه يمنحهم الأكثرية سلفاً. أما إذا انتقل النقاش من اللجان الى الهيئة العامة، من دون توافق، فسنكون أمام مجزرة فيتوات متبادلة…».