بعض المواقف التي برزت بقوّة، بعد التمديد لمجلس النواب، والتي صدرت تحديداً عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون، لم تحرّك الجمود السياسي فحسب، بل اثارت نوعاً من الدهشة والتساؤل في آن معاً، هل ان لبنان ينحو نحو انفراج سياسي ووطني، يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية ويمرّ باعتماد قانون جديد للانتخابات وينتهي بتقليص مدّة التمديد للمجلس واجراء الانتخابات النيابية بوجود رئيس، وفي ظل قانون تم التوافق عليه من اكثرية النواب، امّ ان كل ما يجري حالياً، وكل ما يحكى عن ايجابيات تطلّ ولو بخفر، هي نوع من اسلحة التخدير، لابعاد اللبنانيين عن التفكير بالمستقبل الصعب جداً الذي بشّر به وزير الداخلية نهاد المشنوق، وان سوريا والعراق ستكونان مسرحاً لنار لن تنطفئ طول سنة كاملة، ولبنان لن ينجو من لهيبها؟؟
ولان اللبناني، الذي عاش الحروب والانتفاضات، والفلتان الامني طول سنوات ولا يزال، يتفاعل مع الحدث الآني اكثر مما يفكّر بالمستقبل، فمن المفيد القاء الضوء على بعض المواقف التي تؤشّر الى ان علاقة عون بحليف الحليف الذي هو برّي، تمرّ حالياً بكثير من التضارب في الرؤية والاهداف، يعبّر عنها الطرفان، بمواقف تحمل رسائل، تظهر مدى اتساع فجوة الخلاف بين الرجلين، فالرئيس بري يرى مثلاً ان الرئيس التوافقي الذي تدعمه اكثرية نيابية وازنة، هو الافضل في الوضع السياسي الداخلي المنقسم عامودياً في الوقت الراهن، وكذلك في اوضاع المنطقة الملتهبة، خلافاً لموقف العماد عون الرافض بقوة التنازل عن ترشحه لأي مرشح آخر، وقد فاجأ الجميع بطرح استعداده للنزول الى مجلس النواب وخوض الانتخابات الرئاسية ضد الدكتور سمير جعجع، ولكن ضمن شروط يعرف مسبقاً انها لن تقبل، بما يعني ان الوضع سيبقى على حاله من التعطيل، ما دام حزب الله متضامناً مع عون بعدم المشاركة طالما لم يتم التفاهم على عون. ومن الملاحظ ان نائبين في حزب القوات اللبنانية، هما نائب رئيس الحزب جورج عدوان، ونائب الكورة فادي كرم، سارعا الى قبول اقتراح عون، واعتبرا انه «منطقي جداً ويتلاءم مع طبيعة النظام ولو انه ينقصه شيء من الديموقراطية» في موقف سريع للردّ على التحدّي الذي اطلقه العماد عون، وباستثناء النائب وليد جنبلاط الذي رفض سحب المرشح النائب هنري حلو، لم يصدر حتى الان اي موقف من حلفاء عون او من خصومه.
الخلاف الثاني في الرأي بين الحليفين اللدودين، يدور حول القانون الجديد للانتخابات، فالرئيس برّي يرى ان الاقرب الى الواقع والمنطق هو القانون المختلط بين النسبي والاكثري، لأنه يؤمّن «التوازن الوطني والميثاقية والغموض البنّاء»، بينما العماد عون يرى ان مشروع القانون الارثوذكسي هو الذي يؤمّن المشاركة الحقيقية والميثاقية، رغم معرفة العماد عون، ان حلفاءه في 8 اذار بأكثريتهم الساحقة يرفضون هذا المشروع مثل ما يرفضه سعد الحريري ووليد جنبلاط، والمسيحيون المستقلّون في 14 آذار.
يبقى الخلاف الثالث، الذي هو بسيط في الشكل، ولكن له ابعاد كبيرة في المضمون، لانه يعكس حالة تم التفاهم عليها بين بري وعون، كما يؤكد قريبون من بري، ولم يتقيّد عون بهذا التفاهم ونفى ان يكون قد تعهّد به لبرّي، ومضمون التفاهم، ان يحضر نواب التيار جلسة التمديد ويقترعوا ضد التمديد اذا رغبوا بذلك. وان لا يقدم التيار طعناً به امام المجلس الدستوري، الذي سيعقد جلسة اليوم لبحث الطعن الذي قدمه عشرة نواب من التيار الوطني.
* * * * *
هذا الخلاف بين بري وعون، الحامل حتى الآن كاتماً للصوت العالي، قد يسارع حزب الله، عرّاب 8 اذار، كما كان يفعل دائماً، الى حسم الخلاف و«النصح» بمصالحة سريعة، على غرار مصالحة الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل، ام ان الامور ستترك «لراحتها» ويجري ما يجري، وتقوم تحالفات جديدة مختلفة، تضم تشكيلة من الوسطيين وحركة أمل، قد تضم بعض المستقلين، تأسيساً لحركة وسطية فاعلة تقف على مسافة واحدة من 8 و14 اذار؟؟!
جميع الاحتمالات واردة والجواب في بطن الايام المقبلة.