في انتظار ما قد ينجم عن اجتماع هيئة مكتب مجلس النواب اليوم، لا احد معنيا حتى اشعار آخر، حاضرا كي يتزحزح عن شروطه من وضع جدول الاعمال. والى ان يلتئم البرلمان، لن يعدو جدول الاعمال اكثر من حبر على ورق
المفارقة التي تواكب جهود عقد جلسة لمجلس النواب، ان الرئيسين نبيه بري وميشال عون يلتقيان على ان لا قانون انتخاب خارج التوافق، وعون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يلتقيان على ان كتلتيهما النيابيتين لن تشاركا في جلسة لا يتضمن جدول اعمالها مشروع قانون الانتخاب.
على ان رئيس البرلمان يفترق عن الحليفين المارونيين اللدودين في انه لا يدرج مشروعا لقانون الانتخاب في جدول اعمال الجلسة العامة لم يسبقه توافق سياسي، ويؤيد عون في عدم المجازفة بتسهيل التصويت على قانون الانتخاب يرجّح الكفة لفريق دون آخر.
حتى عشية الاجتماع الثاني لهيئة مكتب المجلس اليوم، اكثر من موقف تجاذب ما تبقى في جدول اعمال الجلسة التي يصر بري على عقدها، ولا يريد تكرار ما رافق العقد العادي الاول للمجلس ما بين آذار وايار المنصرمين، عندما علّق توجيه دعوة الى جلسة عامة على حصوله سلفا على موافقة الكتل المسيحية على المشاركة فيها، وكانت هيئة مكتب المجلس اعدت في الاسبوعين التاليين لبدء ذلك العقد جدول اعمال اخذ في الاعتبار «تشريع الضرورة».
لعون ثلاث ثوابت لا يتزحزح عنها:
ــــ لا عودة الى جلسات مجلس الوزراء ما لم تبت آلية اتخاذ القرار في مجلس للوزراء منوطة به صلاحيات رئيس الجمهورية، وما لم تتصدر التعيينات العسكرية والامنية جدول اعماله. الا انه يستثني ملف النفايات من هذين الشرطين الصارمين.
ــــ لا مقاطعة لطاولة الحوار الوطني برئاسة بري ما دام جل ما تفعله ان تنقسم بين فريقين، يختلفان على تقييم مواقف رئيس تكتل التغيير والاصلاح: احدهما يؤيده، والآخر يعارضه.
ــــ لا مشاركة في جلسة عامة لمجلس النواب لا يُدرج في جدول اعمالها مشروعا استعادة الجنسية وقانون الانتخاب، مع تمسك عون باستعداد كامل للتعاون مع رئيس المجلس.
على ان الرجل يقارب بند استعادة الجنسية وفق اعتقاد بأن لا اسباب للافراط في تأجيل اقراره، او على الاقل عدم الخوض في مناقشته حتى. بل يتوخى كشف المواقف المحيطة به سواء الذين يدعمونه او يتحفظون عنه. الا ان لا ضمان لدى عون في ان ادراج هيئة مكتب المجلس الثلثاء الفائت اقتراح القانون في جدول اعمال الجلسة المرتقبة، يمنحه حظوظا عالية لاقراره، خصوصا في ظل ما يلمسه من رفض سنّي قاطع يمثله تيار المستقبل، والتباس شيعي غير مفهوم ينطوي عليه موقفا بري وحزب الله. ما يعزز حجة تكتل التغيير والاصلاح تضامنه مع القوات اللبنانية حيال بند يذهبان معا الى جلسة تناقشه، او لا يذهبان اليها ابدا
طالب بري في مؤتمري المتحدرين عامي 1993 و1996 باستعادتهم الجنسية
بيد ان معطيات الساعات الاخيرة تحدثت عن احتمال تذليل العقبة الشيعية في طريق بند استعادة الجنسية بتوقع تصويت بري وحزب الله معه، خصوصا ان المطلعين على موقف رئيس المجلس يتحدثون عن اكثر من حجة تحمله على تأييده، وكان سباقا الى طرح استعادة الجنسية في مؤتمرين للبرلمانيين المتحدرين من اصل لبناني ترأسهما، ودعا اليهما بمبادرة منه: الاول في لبنان عام 1993 اشهرا قليلة بعد انتخابه رئيسا للمجلس، والثاني في البرازيل عام 1996. في المؤتمرين اكد بري ضرورة استعادة المتحدرين من اصل لبناني الجنسية داعيا اياهم الى المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية اللبنانية. ما لبث موقفه القائل بتأكيد هذا الحق ــــ الذي لا يعني تجنيس مَن لا يمت بصلة الى الوطن الام ــــ ان اصبح في صلب قرارات المؤتمرين وتوصياتهما.
على طرف نقيض من هذا البند، يمسي قانون الانتخاب اكثر ادرارا للسجال وتباين المواقف في اكثر من اتجاه. وخلافا لما يقول به جعجع باصراره على طرح مشاريع قوانين الانتخاب على التصويت واحدا تلو آخر الى ان يُقر احدها، فإنه عون متيقن من ان ليس في الامكان امرار قانون للانتخاب لا يكون جزءا لا يتجزأ من رزمة تفاهم سياسي واسع. تاليا ليس بمثل سهولة كهذه يرسى قانون انتخاب تتخبط من حوله القوى السياسية وتتسابق على تقسيم دوائره على نحو يمكن كلا منها من الحصول على اكبر عدد من المقاعد على الورق قبل الذهاب الى الانتخابات النيابية العامة.
على ان ما يتمسك به عون هو وضع قانون الانتخاب، ايا تكن الصيغ المتداولة، في جدول اعمال الجلسة العامة من دون مناقشته بالضرورة، بل التعامل معه على انه استحقاق يصلح للخوض فيه في كل آن. في المقابل تعوّل القوات اللبنانية ورئيسها على ما لا يمكن ان تتوقعه من رئيس مجلس النواب، وهو ادراج مشاريع القوانين واقتراحات القوانين الـ17 في جلسة عامة كي يتركها تتهاوى تباعا في التصويت الى ان يصير الى فرض امر واقع على الجميع بطريقة اقرب الى «مؤامرة»: تصويت تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، بالاكثرية النسبية من ضمن نصاب الاكثرية المطلقة، على مشروع القانون المختلط تبعا للصيغة التي اتفقت عليها القوى الثلاث هذه.