Site icon IMLebanon

برّي: العروبة تجمعنا بالسعودية وستعيدها عن قرارها

بدا رئيس مجلس النواب نبيه بري العائد من بروكسل مرتاحاً إلى نتائج زيارته لها ولنتائج اللقاءات البرلمانية والسياسية التي عَقدها فيها أوروبياً وبلجيكياً، بانياً عليها لخطوات تنفيذية سيتابعها لاحقاً لتحقيق ما يساعد لبنان على معالجة الأزمات التي يكابدها، سواءٌ منها المحلية أو ذات الطابع الإقليمي المتصلة بالأحداث الجارية في المنطقة وتداعياتها اليومية على لبنان.

في اللقاء الذي جمعه مع البرلمان الاوروبي، كان بري ينتظر كالعادة في لقاءات سابقة مماثلة ان يجيب عن خمسة اسئلة يوجهها اليه بعض «عمالقة» العمل البرلماني والذين يتبوّؤون مناصب كبيرة في بلدانهم الاوروبية، وبينهم مرشحون للرئاسة فيها، وإذ به يجد نفسه امام اكثر من 24 سؤالاً من العيار الثقيل، وتناولت هذه الاسئلة قضايا حساسة تعيشها المنطقة والعالم، لأن الحاضرين اجمعوا على انهم يتحاورون مع «رجل يتحدث باسم كلّ برلمانات العالم»، على حد ما قال بعض محاوريه، فيما وصَفه آخرون بأنه «شخصية برلمانية عالمية مميزة»

كان هناك سؤال عن موضوع النازحين السوريين الذي يؤرق الاوروبيين جداً، اشتمَّ بري منه انّ هناك رغبة اوروبية بتوطين هؤلاء النازحين في لبنان وكأنهم يعتقدون انّ الأزمة السورية طويلة وأن لا رجعة لهؤلاء الى بلادهم عاجلاً أم آجلا، فكان جوابه انّ في لبنان 500 ألف لاجئ فلسطيني أصلاً وفصلاً، أمّا عدد النازحين السوريين فيبلغ مليون ونصف مليون نازح وليس مليونا و200 ألف نازح كما يتحدث البعض، ما يعني انّ عدد النازحين يبلغ النصف من عدد سكان لبنان البالغ اربعة ملايين نسمة. فيما لا يبلغ معدل النزوح السوري الى اوروبا أكثر من نسبة 0,11 في المئة.

وعندما حاولَ المندوب الهولندي في البرلمان الاوروبي اعتبارَ موضوع النزوح السوري غيرَ خطر على أوضاع لبنان مستشهداً بالولايات المتحدة الاميركية التي استقبلت 90 مليون نازح وأقامت دولتها بهم عبر التاريخ ولم يشكّل هذا الأمر مشكلة لها، ردّ بري قائلاً: هؤلاء التسعون مليون نزَحوا قبل وجود الهنود الحمر (سكّان اميركا الاصليين) أم بَعدهم؟»، هنا علا التصفيق في القاعة تأييداً لكلامِه.

وقد حمل بري إلى بروكسيل مجموعة مشاريع تتعلق بمعالجة أزمة النازحين، وبعضها يشبه ما حمله رئيس الحكومة تمام سلام الى مؤتمر المانحين الأخيرفي لندن، ومن المشاريع التي طرحها بري على الاوروبيين تنفيذ مشاريع إنمائية زراعية في مناطق النزوح السوري يستفيد منها النازحون ولبنان في آنٍ معاً، وقد وافق ممثّلو كثير من الدول الاوروبية على هذه المشاريع وأعدّوا مذكّرات سيطلبون من بلدانهم تنفيذها،

وأكّد بري انه سيتابع هذه المذكرات والمشاريع شخصياً ومِن خلال لجنة الصداقة البرلمانية اللبنانية ـ الاوروبية ولجنة الصداقة البرلمانية اللبنانية البلجيكية، لافتاً البرلمانيين الاوروبيين الى انّ لبنان لم يحصل حتى الآن إلّا على الفُتات في إطار مساعدته على تحمّل أعباء النازحين، وأنه لم يحصل ممّا قرّره مؤتمر لندن إلّا على الثلث ممّا تقرّر له.

ومن الأسئلة التي أجاب بري عنها كان سؤال عن القرار السعودي بوقفِ هبة الأربعة مليارات دولار للجيش والقوى الامنية اللبنانية وما يمكن ان يكون له من انعكاسات على لبنان، ففاجَأ سائله بجواب قائلاً: «شكراً للسعودية، شكراً، شكراً، شكراً. إنّ ما يجمعنا بالمملكة هو العروبة وأعتقد أنّ هذه العروبة ستدفع المملكة الى التراجع عن هذا القرار».

وقد عبّر أعضاء البرلمان الاوروبي عن رغبتهم في الاستفادة من خبرة بري البرلمانية الواسعة وعلى المستوى السياسي وطلبوا في بعض أسئلتهم وجهة نظره في الاحداث الجارية في لبنان والمنطقة والعالم، الى درجة انّهم اكتشفوا، كما عبّر بعضهم، انّه ملِمّ بشؤون اوروبا أكثر منهم، لا بل إنّ أحدهم قال على مسمعه «إنّك تعرف عن القضايا الاوروبية اكثر ممّا نعرف نحن».

وفي موضوع المنطقة شدّد بري امام البرلمانيين الاوروبيين على اهمية حصول حوار بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية، لأنّ مثل هذا الحوار يهدّئ الاوضاع في لبنان والمنطقة ويفتح الآفاق لإيجاد حلول للأزمات السائدة.

وقدّم بري للبرلمان الاوروبي صورةً مفصّلة تتجاوز لبنان الى واقع المنطقة برمّته، والتي يشكل لبنان جزءاً صغيراً فيها، الى درجة أنّ الذين استمعوا إلى ما قدّمه من تحليل وأفكار صفّقوا له ووقفوا يصفونه بأنه «أوّل شخصية برلمانية على المستوى العالمي».

ولعلّ ما لفت بري انّ الاسئلة التي وُجّهت إليه في البرلمان الاوروبي جاءت شبيهة بتلك التي وُجّهت اليه في البرلمان البلجيكي الذي استضافه ايضاً مستمعاً الى ما لديه من رؤى وأفكار تتعلق بالواقعين الاقليمي والدولي، بحيث إنه شعرَ وكأنّ هناك تنسيقاً بين البرلمانيين حول الجلستين معه.

وكان اللافت انّ جلسة البرلمان الاوروبي مع بري قد تجاوزَت الوقت المحدّد لها، ما أدّى الى تأخير موعد اجتماع لحلف «الناتو» كان سيَحضره مجموعة من الحاضرين، ففوجئ بري بممثّلي دول الحلف يَدخلون الى القاعة لسماع أجوبته عن الاسئلة الموجهة إليه، وفيما جلس الامين العام للحلف على أحد المقاعد بقيَ الآخرون يستمعون إليه واقفين.

وعندما سُئل بري عن موضوع إسرائيل واحتلالها لفلسطين، قال لمحدثيه: أنا مِن بلدة في جنوب لبنان قريبة جداً من حدود فلسطين وعندما احتلّتها اسرائيل كنتُ ابلغ من العمر أحد عشر عاماً، وقد شاهدت الفلسطينيين الذين لجأوا إلى لبنان حاملين مفاتيحَ الحديد القديمة لبيوتهم وهي ليست كالمفاتيح الالكترونية التي تستعمل في أيامنا، على اساس انّهم سيعودون بعد ايام او اسابيع قليلة الى بيوتهم، وها هم لم يعودوا إليها حتى اليوم.

ولقد استفاض بري في شرح ما يعيشه لبنان والمنطقة من أزمات، وما ينبغي ان يكون لأوروبا من دور فاعل في المساعدة على معالجة هذه الأزمات، مشيراً الى المخاطر المشتركة التي تهدد الجميع وعلى رأسها الارهاب، مكرراً التشديد على اهمّية حصول الحوار السعودي ـ الايراني من اجل حلّ الأزمات في المنطقة، من دون ان يغيب عن باله الاشارة الى الحوار اللبناني ـ اللبناني القائم بإدارته وتحت رعايته، وهو حوار يؤكد رئيس المجلس النيابي دوماً أنّه يقدّم انموذجاً يُحتذى وتحتاج اليه المنطقة بديلاً من الحروب التي تعيشها، الى درجة أنّه وعلى رغم انشغاله باجتماعاته الاروربية ظلّ يلاحق الاحداث التي جرت داخلياً، وقد تمكّنَ في اتصالاته من إبقاء الحوار بين حزب الله وتيار «المستقبل» مستمرّاً، بعدما كادت جلسة الأسبوع الماضي ان لا تنعقد.