ينتظر اللبنانيون كل يوم أربعاء، اسبوعياً، ليستمتعوا بما يمكن أن يطلع به الرئيس نبيه بري من جديد. فالرجل الذي بات علامة فارقة في السياسة اللبنانية، هو أيضاً الرقم الصعب. وهو الى هذا وذاك يحترف «اللعبة السياسية» ويجيدها بامتياز، ليس فقط كونه واحداً من عمداء رئاسة مجلس النواب في العالم، بل خصوصاً لما يبتكر من شعارات وآراء ومواقف تشغل الرأي العام حتى يطل دولته عليه بجديده. فيصح فيه عن حق وحقيق أنه ذلك الساحر الذي لا تفرغ قبعته من عناصر الدهشة والإبداع والمفيد أيضاً.
بداية يفترض الإقرار لدولته بأنه لا يتحدث للحديث، إذ إنه ليس من هواة «الفن للفن» كما بات معروفاً عنه. فهو يطرح الشعار في التوقيت المناسب، ليأتي تعبيراً عن موقف من القضايا الساخنة المطروحة.
حالياً ليس أشد سخونة من «قضية» قانون الإنتخاب، وها هو دولته يتناوله بتحذيرات على قدر كبير من الأهمية والخطورة، وبشعار يلامس كبد الحقيقة كما يقال.
واللاءات الثلاث التي طلع بها رئيس مجلس النواب أمس من «لقاء الأربعاء النيابي» جاءت في موقعها حفراً وتنزيلاً. ومع انها توصف في علم السياسة بأنها لاءات سلبية بالضرورة (فـ الـ«لا» هي العنوان المطلق للسلبية بذاتها) إلاّ أنها تشير الى النقيض الذي يفترض أن يكون إيجابياً.
ببساطة رفع الرئيس بري أمس الشعار الآتي: «لا للتمديد… لا للستين… ولا للفراغ». أي ان هذه السلبية الثلاثية تحتاج في المقابل الى إيجابية مثلثة: لا للتمديد واضحة تعني أنّ مجلس النواب »يجب« أن تنتهي ولايته حكماً في مطلع الصيف. ولا للستين تعني أنّ ثمة قانوناً جديداً للإنتخابات النيابية »يجب« أن يبصر النور. ولا للفراغ تعني (أو أقله تفترض) »وجوب« وحتمية إنتخاب مجلس نيابي جديد.
وهذه اللاءات الثلاث، على قدر أهميتها القصوى، تبقى في حاجة الى رسم الطريق الى وجهها الآخر، أي الى الإيجابيات المضمرة فيها والتي أوردناها في الفقرة اعلاه. إذ المطلوب توضيح كيفية حلّ العقد التي حالت، حتى الآن، وقد تحول طويلاً دون تحقيق الأمور الثلاثة الآتية. فكيف السبيل للوصول الى القانون الجديد للإنتخابات؟ وكيف السبيل للوصول الى إجراء الإنتخابات النيابية؟ وكيف الوصول، استطراداً، الى ملء الفراغ؟!.
هنا بيت القصيد.
فهل تسهم بوادر «التفاهم» بين حركة أمل والتيار الوطني الحر في تسهيل تلك المهمة الثلاثية؟!. وبالتالي هل يستطيع الساحر نبيه بري أن يوفق بين المطالب المتناقضة والطروحات المتضادة، ومشاريع القوانين المختلفة عن بعضها البعض إختلافاً جذرياً؟!.
وعليه يجدر التساؤل: ماذا عن الأطياف الوطنية الأخرى؟ ماذا عن مواقف كل من تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي و… المستقلين أو بعضهم في أقل تقدير؟!.
وماذا سيكون موقف حزب اللّه المتشدد في تمسكه بالنسبية المطلقة من دون أي خرق أو إختلاط؟
فلنعترف بأن المسألة على خطورة… ولكننا مازلنا نأمل في أنّ العقل اللبناني مازال قادراً على ابتكار حل ما…