برز الى العلن قبل يومين تصريح لرئيس مجلس النواب نبيه بري، يدعو خلاله الى إنتخاب رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، بحيث اعتبر ان خطاب العماد ميشال عون الاخير في ذكرى 14 آذار كان تصعيدياً وبالتالي ابدى مخاوفه من عبارة «جهزوا سواعدكم»، التي ختم بها عون كلمته الى المناصرين. ثم تبعه دعم معنوي لفرنجية من وزير حركة امل في الحكومة علي حسن خليل، فنتج عن ذلك سجال داخل جلسة مجلس الوزراء الاخيرة مع الوزير جبران باسيل، إضافة الى رد اعلامي قاس متبادل على وسائل اعلام عون – بري. بعد ان ألمح الاخير الى ضرورة انتخاب رئيس تسوية، لان زمن التسويات قد بدأ على ما يبدو، بعد بروز تحولات اقليمية وإنسحاب روسي جزئي من سوريا، وبالتالي فإن قرار الانسحاب من شأنه أن يفتح خطوط التقارب مع الدول العربية وينقل روسيا الى الخط الوسطي، وسط إمكانية بدء حوار سعودي – ايراني مرتقب الشهر المقبل، اي ان الامور تتجه الى الايجابية نوعاً ما.
الى ذلك تنقل مصادر سياسية مطلّعة بأن كلام بري اتى بعد التواصل مع اركان حزب الله، والطلب منهم الاسراع بإنهاء الملف الرئاسي، والتشجيع على انتخاب فرنجية، لان اسهم عون باتت منخفضة جداً خصوصاً على الصعيد الاقليمي، وبالتالي ضرورة انتخاب رئيس من فريق 8 آذار، لان وصول عون يقارب المستحيل. لافتة الى ان بري اعلن ذلك في الاعلام، وهذا بحد ذاته موقف تأكيدي، اي بحسب قراءة سياسية للواقع ومعلومات خارجية بأن اسهم زعيم «المردة» الى ارتفاع، اي ان موقفه هذا لم يأت من عدم .
ولفتت هذه المصادر الى ما اعلنه ايضاً منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد، بأن حزب الله ابلغ باسيل ان انتخاب العماد عون اصبح مستحيلا، وبأن كلام بري برهان على ذلك»، معتبرة بأن السياسة تتبدّل ليس في لبنان فحسب، بل في كل دول العالم، لكن في لبنان بصورة عجائبية اكثر بكثير نظراً لتشعباتها اليومية. واشارت الى ان من يقوم اليوم بعملية « بوانتاج» للاصوات الانتخابية الرئاسية بين العماد عون والنائب فرنجية، سيتأكد له بأن الاخير يحظى بأصوات تفوق اصوات الاول، مستغربة مطلب «التيار الوطني الحر» تأمين التزكية للجنرال عبر إنسحاب فرنجية له، وهذا لن يحصل بالتأكيد لان الاخير مستمر بترشحه الى النهاية، وهو ردّد ذلك مراراً، ومَن يعرف فرنجية جيداً يتأكد بأن كلامه ليس للمناورة، اذ نقل عنه مقرّبون بأنه لن ينسحب من المعركة حتى ولو طلب منه ذلك الرئيس السوري وحزب الله. في حين يُذكّر مناصرو «التيار الوطني الحر» ما كان يقوله فرنجية في السابق، بأنه مستعد للانسحاب في حال دعم الدكتور سمير جعجع العماد عون، وعلى الرغم من حصول ذلك، فلم ينفذ ما قاله. لا بل ذهب الى اكثر من ذلك بكثير، حين وضع اللوم على العماد عون بأنه المسبّب الاول لوضع اتفاق الطائف، مستغربين كيف يصدر كلام كهذا عن سياسي لطالما اعتبرناه حليفاً، لكن المصالح الخاصة والكرسي الرئاسي يلعبان دائماً الدور الابرز في الانانية السياسية كما قالوا.
وفي المقابل تؤكد الاوساط ان احتمالات فوز فرنجية الى ازدياد، وهنالك مخاوف كبيرة من ان تصّب الاصوات التي كانت متأرجحة في خانة الاخير، فهو الى جانب تيار «المستقبل» وكتلة الرئيس بري، سيسير به النائب وليد جنبلاط به في الدقائق الاخيرة، إضافة الى ان النواب المستقلين بمجملهم سيصّبون في خانة فرنجية.
واشارت المصادر عينها الى ان شيئاً ما يتحضّر في هذا الاطار، وإلا لماذا هذا الصمت المريب من قبل فرنجية وحزب الله معاً، خصوصاً ان الاخير لا يشعر بالاطمئنان من دعم الدكتور سمير جعجع للجنرال، لان هذا الدعم احدث صدمة للجميع لم يستفيقوا منها لغاية اليوم. ناقلة بأن جعجع سيحارب حتى النهاية لعدم إيصال فرنجية الى بعبدا، لانه سيكون اول الخاسرين بالتأكيد، وبالتالي فوصول زعيم المردة الى الرئاسة يعني اعادة إحياء المحور السوري- الإيرانى فى لبنان، لانه رأس حربة لهذا المحور، واصفة ذلك بالصفعة القوية لرئيس القوات اللبنانية، واعتبرت بأن وصول فرنجية الى هذا المنصب سيغيّر الكثير، وسيصيب اولاً من رشحه ودعمه أي الرئيس سعد الحريري، لان الزعيم الزغرتاوي متداخل اكثر بكثير من عون في الخط السوري، وحينها ستكون الخسارة اولاً واخيراً لفريق 14 آذار، الذي وفي حال وصول فرنجية الى بعبدا، يكون قد قضى على نفسه، بسبب دعم الحريري له من دون أي مبرّر مقنع حتى لتيار «المستقبل» ونوابه ووزرائه الذين يسيرون به في العلن، فيما الحقيقة تؤكد العكس، لانهم لا يستطيعون مخالفة رأي زعيمهم، خوفاً على كراسيهم النيابية والوزارية.