IMLebanon

بري يمضغ المرارة والغضب

في حلق رئيس مجلس النواب نبيه بري الكثير من المرارة والغضب والعتب، تقول مصادر مقربة منه، كون دعوته لانجاز الاستحقاق الرئاسي بقيت صرخة في واد بعدما طارت الجلسة رقم 25 لانتخاب رئيس للجمهورية، ما دفعه الى تعيين الجلسة المقبلة في 15 تموز القادم من باب الواجب كون مصيرها سيكون كمصير سابقاتها بعدما بلغت السياسة في لبنان درجة من الانحطاط عز نظيرها، ويعز على بري ان يدعو لانجاز الاستحقاق من باب الدعوة لا اكثر ولا اقل، في وقت طالبه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بأن يدعو يوميا لعقد جلسة لتمديد الاستحقاق ما جعل الدم يفور في عروقه لان للجلسات حرمتها وللمجلس كرامته، الا ان بري يكظم غيظه على نواب البرلمان الذين كانوا جميعا رهن مطرقة «ابو مصطفى» الا ان زمن المتغيرات حول المجلس النيابي الى «مدرسة المشاغبين». وسجل رقما قياسيا في البطالة عن العمل على الرغم من انه مدد لنفسه دون العودة الى القواعد الشعبية فبات «ديكورا» يندرج في خانة «لزوم ما لا يلزم» فلا ينجز استحقاقا ويرفض مشاغبوه التشريع، من باب الضرورة.

لقد اطاح بعض النواب بهالة المجلس وجعلوا منه منبرا للمناكفات وللمواقف الفولكلورية تضيف المصادر على قاعدة «مرتا تفعلين الكثير والمطلوب واحد». فالنواب المسيحيون الذين لم يوفروا جلسة لانجاز الاستحقاق الرئاسي الا انهم بالتكافل والتضامن يرفضون انعقاد جلسة تشريعية يسعى بري اليها ولو تحت شعار تشريع الضرورة لاقرار مشاريع لتسيير شؤون الناس، اضافة الى نظرائهم المسيحيين الذين يقاطعون جلسات انتخاب الرئيس العتيد، واذا كان الفاتيكان قد اوفد الكاردينال دومينيك مومبرتي لاستطلاع اوضاع المسيحيين في لبنان والشرق وسعى لاقناع المقاطعين من الاقطاب المسيحيين للتوافق على انتاج رئيس كونه الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق، الا انه اخفق في ذلك، تؤكد المصادر وعاد الى روما ليرفع تقريره الى دوائر الفاتيكان مذيلة بملاحظة يعبر فيها عن قلقه من ان يكون الرئيس ميشال سليمان آخر رئيس مسيحي للبنان. وكما حال مهمة مومبرتي كذلك كان مهمة جان فرنسوا جيرو لانجازالاستحقاق، ان الامر ابعد بكثير من قدرة اللاعبين المحليين وبري ادرى من الجميع بذلك يوم اعلن عن اسفه من اضاعة الفرصة اليتيمة ذات جلسة، اضافة الى ان همه وقلقه يكمنان في الوجود التكفيري داخل البيت عبر الخلايا الراقدة وما يزيد من مرارته كيف اصابت نعمة «الطرش» آذان اللاعبين، وكأن البلد ينتمي الى العمق الاوروبي وليس في فم التنين التكفيري. فأصوات الاف القذائف لا يسمعها المعنيون في زمن تباد فيه المدن والانظمة والدول. وما يقلق بري بحسب المصادر ليس الغباء السياسي الضارب على الرقعة، بل ان يعيد التاريخ نفسه، فيوم حاصر محمد الفاتح القسطنطينية كان هم جهابذتها الجدل حول جنس الملائكة وقبل ان يصلوا الى نتيجة هل هو ذكر ام انثى كانت الانكشارية العثمانية تدك بيزنطية. وكذلك هو واقع الحال على الرقعة المحلية التي لا تزال الاقل تضرراً من محيطها، فبدل ان يتلقف الاقطاب المعنيون الفرصة التي سنحت ذات جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية ضربوا بها عرض الحاىط ليصبح انجاز الاستحقاق الرئاسي مرهونا بتوافقات اقليمية – دولية.

وتضيف المصادر انه في ظل الظلام الذي يضرب المنطقة وانعدام الرؤية على الساحة المحلية، وعلى الرغم من ارتفاع الشحن المذهبي السني – الشيعي، نجح بري في استدراج «حزب الله» و«المستقبل» الى طاولة الحوار التي وفرت على اللبنانيين جميعا نار جهنم، وسبق له كما هو معروف انه اخترع طاولة الحوار ابان التمديد للرئيس اميل لحود وجمع اليها كافة الاقطاب، وتفنن في فك الاعتصام من الوسط التجاري الذي كان يحاصر السراي ايام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وكان من ابرز اللاعبين في اتفاق الدوحة الذي انتج انتخاب الرئيس ميشال سليمان وتشكيل حكومة السنيورة، واجراء الانتخابات النيابية في العام 2009.

وتشير المصادر الى ان بري قلق من سقوط الهيكل على رؤوس الجميع وسط علو سقف الخطاب السياسي والتقاذف بالتهم على وقع معارك جرود عرسال التي ستشكل نتائجها نقطة مفصلية على صعيد الكيان والكينونة. الا انه وعلى الرغم من سوداوية المشهد على صعيد المنطقة لا يزال بري يرى بصيصا من الامل للوصول بالبلد الى بر الامان كون هناك شبه اجماع دولي على منع انتقال «الفوضى الخلاقة» الى الساحة المحلية. من هنا يصر رئيس مجلس النواب على الوقوف في نصف المسافة بين الاطراف كافة على الصعيدين المحلي والاقليمي ما يجعل منه اطفائيا بامتياز وربما قدره ان يكون كذلك ليكافح الحرائق بما ملكت يمينه ولو كان قليلا كونه يعرف ان البلد ليس في العمق الاوروبي.