فرنجية «يبق البحصة».. «للتاريخ فقط»
بري يضبط اندفاعة الحريري الرئاسية: الأمر لي!
خرج النواب والصحافيون من القاعة العامة لمجلس النواب بانطباع واحد: فعلها الرئيس نبيه بري. ابتسامات عريضة لا تميز بين الفرح والغضب توزعت هنا وهناك، وتؤكد استعادة بري زمام المبادرة، بعد إعلان الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر إرجاء جلسة انتخاب الرئيس إلى 31 تشرين الأول، وهي المرة الأولى التي يكون الفاصل بين جلسة وأخرى أكثر من شهر، بينما لم يتعد سابقا 21 يوما!
هذه العبارة كانت كفيلة بامتصاص الزخم الذي رافق عودة الرئيس سعد الحريري. علماً أن النقاش بشأن موعد الجلسة المقبلة كان قد أخذ حيزاً من التحليلات السياسية باعتباره المؤشر الأبرز على السياق الفعلي للأمور: إذا أخّر بري موعدها، فهذا يعني أن الرئاسة مؤجلة حتى إشعار آخر، وإذ قرّب موعدها فذلك مؤشر إلى نضوج الطبخة. وبذلك يكون بري قد حسم النقاش بتأكيده أن أي طبخة تطبخ بدونه لن تنضج. وهو ما أثبته أمس، من خلال إعادة الجميع إلى حضن عين التينة.. وشروطها ومواعيدها.
بعد ترشيح سليمان فرنجية، تكرّست معادلة «الرئيس من 8 آذار». وبالتالي، فإن موافقة «المستقبل» على ميشال عون، على أهميتها، لا تعني أن تهرول «8 آذار» إلى المجلس لانتخاب مرشحها الأول.
سبق أن وافق رئيس المجلس على انتخاب فرنجية «على بياض»، ومن دون الحاجة إلى المطالبة بالسلة، لأنه يدرك أن زعيم «المردة» هو الابن الوفي للنظام السياسي الذي ولد بعد «الطائف». أما أن يأتي «الابن الضال» ميشال عون، الذي تمرد على «الطائف»، قبل أن يعود إلى لبنان واعداً بـ «التغيير»، فذلك يحتاج إلى معادلة جديدة. وحتى لو لم يعد عون تغييرياً بالمعنى الذي يقلق السلطة، على ما بينت التجارب، فذلك لا يكفي ليهضم النظام سعيه إلى موقع ثابت فيه. شخصية عون مشاكسة بطبيعتها و «الأسوأ» أنها متطلبة. ولهذا، لم يعد يكفي بعض «8 آذار» أن يوافق خصومها على وصول مرشح من صلبها، بل يريد هذا البعض أن يعرف «ماذا بعد»؟
إذاً حسمت الجلسة الـ45 لانتخاب الرئيس النقاش باكراً. لا بديل من العودة إلى الدائرة التي رسمها بري والتي ظن كثر أنهم نجحوا في التمرد عليها في جلسة الحوار الأخيرة. بعد سنتين من الفراغ الرئاسي، لم يعد ملء هذا الفراغ يكفي. صار المطلوب اتفاقاً شاملاً على ما بعد الرئاسة. وعون وحده لا يمكنه إجراء المقايضة مع الحريري. قانون الانتخاب هو الأساس بالنسبة لبري. وهذا قانون لا يمكن أن يترك لعون والحريري سلطة القرار في تحديده.
الحريري وفرنجية يفترقان؟
يدرك الحريري هذه المعادلة جيداً. ولهذا لم يشأ أن يضيّع الوقت في النزول إلى مجلس النواب لمجرد تسجيل موقف. الأولوية للعمل، لذلك عندما كان الأمين العام للمجلس يعلن التأجيل كان هو في الصيفي يكمل جولاته التي يسعى من خلالها إلى ردم الهوة التي تفصل بين الكتل السياسية، قبل أن يلتقي ليلا في «بيت الوسط» النائب وليد جنبلاط.
وفيما كان «الكتائب» يؤكد، بعد لقاء الحريري بسامي الجميل، أن حركة رئيس «المستقبل» لم تصل إلى مستوى المبادرة بعد، بدا الأمر بالنسبة لفرنجية منتهياً. وحتى لو سمع منه، في بنشعي، أنه لا يملك الرغبة للذهاب بخيار ميشال عون، إلا أنه سمع أيضاً أنه لم يعد يستطيع البقاء مكتوف اليدين وعليه أن يبادر إلى كسر المراوحة الحالية من خلال الضغط على الجميع لإيجاد مخرج للأزمة.
وعملياً، وبعدما كانت أصابع الاتهام تتوجه إلى الحريري، أثناء سفره، متهمة إياه بتعطيل البلد والرئاسة، صار اليوم أمام الناس هو المغوار الوحيد القادر على اتخاذ القرارات الصعبة!
بدا جلياً، على مسافة 48 ساعة من لقاء بنشعي، أن فرنجية لم يستطع هضم المبادرة الحريرية، فخرج بموقف «قوي ومفاجئ»، على حد تعبير أحد قياديي «المردة». وهكذا، اختصر فرنجية الطريق وولج إلى موقع «تويتر» مغرداً تحت وسم «للتاريخ»: «إذا اتفق سعد الحريري مع عون وسمّاه لرئاسة الجمهورية فسيحصد النتيجة نفسها حينما سمّى الرئيس أمين الجميل عون رئيساً للحكومة سنة 1988». وبذلك، خرج الخلاف بينه وبين الحريري إلى العلن للمرة الأولى.
بهذا الموقف، أبطل فرنجية مفاعيل مفاجأة حضور عضوي كتلته النائبين إميل رحمة واسطفان الدويهي لجلسة الانتخاب، للمرة الأولى.
وبرغم أن الدويهي تحدث في المجلس من خارج سياق الأحداث، كانت جمهرة من أعضاء كتلة «المستقبل» الرافضين لانتخاب عون تقدم الدعم له مباشرة وتؤكد تمسكها بحق النائب في اختيار المرشح الذي يريده. وهؤلاء أنفسهم لم يترددوا في الإشادة بخفة دم النائب دوري شمعون وهو يدعو المرشحين الذين تخطوا الثمانين من عمرهم إلى تقديم تقرير طبي يثبت أهليتهم.
من يملأ «السلة»؟
الكثير من الوقائع تشي بأن مهمة الحريري لن تكون سهلة. وهو قبل أن يعطي ضمانات للآخرين بحاجة إلى من يعطيه الضمانة. هو العارف أنه لا نفع لوصوله إلى رئاسة الوزراء، في حكومة عمرها أشهر. الأولوية بالنسبة إليه أن يخرج من الانتخابات المقبلة محافظاً على كتلته النيابية، ليتمكن من المحافظة على موقعه في السلطة التنفيذية. وهو لذلك، بحاجة لإجراء سلسلة طويلة من الاتفاقات لن يكون عون وحده قادراً على توقيعها، بل المطلوب أولاً وأخيراً توقيع «حزب الله» والرئيس بري عليها.
باختصار، يحتاج الحريري قبل غيره إلى التفاهم على السلة. ومهما قيل في كتلته عن أن هذا الاتفاق مخالف للدستور، لأنه يلغي صلاحية الرئيس في تسمية رئيس الحكومة بعد إجراء الاستشارات النيابية الملزمة ويلغي حق رئيس الحكومة في اختيار وزرائه، ومن ثم حق رئيس الجمهورية في الموافقة على هذا الاختيار من خلال توقيعه على مرسوم تشكيلها، فإن الحريري ماض في مسعاه. وفي حال الاتفاق، لن يكون تقديم موعد الجلسة صعباً، على ما أكد النائب جورج عدوان بعد اجتماعه بالرئيس فؤاد السنيورة، الذي سبق أن التقى الدويهي بحضور عدد من أعضاء «كتلة المستقبل».
وإذ دعا عدوان إلى التعويل على تحرك الحريري واستكماله مع بري، لم يفته التأكيد على الدور المرجعي لـ «حزب الله». فدعاه إلى «بذل الجهد والإقناع المطلوب منه كي يدفع بقوى الثامن من آذار فعليا باتجاه انتخاب العماد عون».