مجموعة ألغام كبرى، يسعى الرئيس نبيه بري الى تفكيكها قبل أن تنفجر. المشترك بينها أنّها معقّدة، ورئيس المجلس مدرك أنّه لا تنفع معها لعبة الوقت وانتظار «موجة حظ» تأتي في لحظة ما، من مكان ما، وتجرف هذه الألغام دفعة واحدة، ولذلك يبدو مندفعاً الى حقلها، يقاربها كخبير مفخخات سياسية، علّه يفكّكها أو بالحد الادنى، يتمكّن من الإحتواء المسبق لتداعياتها وسلبياتها.
حقل الالغام هذا، يمتدّ من الداخل السياسي والحكومي، ويصل الى الحدود الجنوبية وما بعدها:
– الأول، لغم التباطؤ الحكومي، وإزالته تطلبت من بري المسارعة الى دق ناقوس الانتاجية السريعة. فبرغم الوعود، التي قُطعت منذ نيل الحكومة الثقة، قبل نحو خمسة أشهر، لا يزال العمل الحكومي يعاني البطء والتأخّر في مقاربة الاساسيات والتعيينات الملحّة، وخصوصاً في الهيئات الناظمة لبعض القطاعات، والتي يُدرجها «سيدر» كعناوين إصلاحية مطلوبة بإلحاح. وكذلك التعيينات الإدارية في قطاعات أخرى.
هذا التباطؤ لا ينسحب على العمل المجلسي، ذلك أنّ بري يحضّر لعقد جلسة تشريعية قبل نهاية الشهر الجاري، يمهّد لها باجتماع هيئة مكتب المجلس اليوم، في عين التينة وموعدها، قد يكون بداية الأسبوع المقبل.
– الثاني، اللغم الإقتصادي، واستعصاؤه دفع بري الى إطلاق جرس إنذار من تفاقم الأزمة الاقتصادية، وأتبع ذلك بدعوة الحكومة الى إعلان حالة طوارئ إقتصادية تمنع المسار الانحداري لهذا الوضع، في اتجاه السقوط في المصيبة الكبرى، أي الإفلاس، وهو النتيجة الطبيعية لغياب المعالجات والتدابير الوقائية الاحترازية.
في هذا المجال، قارب بري الموازنة بوصفه معنياً بها، وبوصفها فرصة لمنع إنزلاق الاقتصاد الى ما هو أخطر، ولذلك لم ينجذب الى السجال السياسي العنيف الذي رافق دراسة الموازنة في مجلس الوزراء، بل تصرّف ككاسحة ألغام من طريقها، عبر الدفع من خلال الوزير علي حسن خليل، في الاتجاه الذي يخرجها بصيغة متوازنة وبعجز منخفض، وممانعاً ومتحفظاً على المبالغات المطلبية العشوائية من قِبل بعض القطاعات.
وبالتأكيد، فإنّ عمل هذه الكاسحة مستمر في المجلس لتمرير قطوع الموازنة بصورة متوازنة لا تجوّف الرسالة الإيجابية التي وجهّتها بالعجز المقدّر دون الـ9%، الى المؤسسات المالية الدولية ومؤسسات التصنيف الدولي.
– الثالث، لغم تعطيل القوانين، الذي يبدو الاصعب، ورغم ذلك، فإنّ بري مصمّم على ان يزيل هذا اللغم الذي تزرعه الحكومة في طريقها، عبر حثها على تطبيق مجموعة القوانين المعطلة، التي زاد عددها على الـ50 قانوناً، هذا التطبيق في رأي بري، يشكّل دافعاً اساسياً ومطلوباً لعملية الاصلاح المطلوب، وينقذ البلد من حال الاهتراء الاداري وغير الاداري الذي يعانيه، ومن السقوط اكثر فأكثر في الفساد المريع، وبالتالي، فإنّ الإنجاز لا يكون فقط في إقرار القوانين ومراكمتها بل في تطبيقها والتقيّد بأحكامها. فلا يجوز ابداً ان تولد القوانين ميتة، او ان تبقى مستلقية امام ابواب الحكومات تستجدي تنفيذها.
الاساس هنا، يبقى في مبادرة الحكومة الى تطبيق القوانين المعطلة، فبذلك تساعد نفسها على تبرئة نفسها من تهمة التعطيل، ومخالفة القانون، والتشجيع على مخالفة القانون. علماً انّ تطبيق القوانين المعطلة، يرفد الموازنة بما يعززها، ولاسيما انّ جانباً اساسياً منها يرتبط بالبنود الاصلاحية في الموازنة، ويلبّي متطلبات «سيدر». لكن المشكلة هنا، تكمن في الاستمرار في وضع هذه القوانين مُهملة في الأدراج.
– الرابع، اللغم السياسي الخطير الذي كاد ينفجر في الحكومة في الأيام الاخيرة، جرّاء الاشتباك العنيف بين مكوّناتها، لم يكن بري طرفاً في هذا الاشتباك، الا انّ مساعيه اشتغلت بوتيرة مكثفة على طرفي الاشتباك، مقرونة بنصائح وتحذيرات مباشرة من أن أخذ الامور الى تصعيد، قد تترتب عليه نتائج لا تحمد عقباها على كل المستويات. الّا انّ العبرة تبقى في استمرار الهدنة غير المُعلنة بين المشتبكين، والتي تبدو انّها قائمة على ارض رخوة، جمرها كامن تحت رماد العلاقات المهتزة وانعدام الثقة بين الاطراف.
– الخامس، يبدو انّ الشغل الشاغل لرئيس المجلس هو تفكيك الألغام الاسرائيلية الكامنة في ملف ترسيم الحدود، وهي معركة طويلة يخوضها بري منذ اكثر من خمس سنوات، كأكثر المعنيين بهذا الملف، وتدرّج بها بالثبات على الموقف المؤكّد على حق لبنان بسيادته الكاملة على برّه وبحره، وبرفضه لخطة فريدريك هوف بتقاسم المنطقة البحرية، التي تحاول اسرائيل انتزاع نصف مساحتها، بما تختزنه من ثروات نفطية وغازية، وصلابته في التمسّك بالحق اللبناني، والذي اكّده امام وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو وسائر الموفدين الاميركيين، وصولاً الى إنجازه لما سُميّت وحدة الموقف اللبناني، وهو الامر الذي تتالت بعده وقائع ايجابية وضعت هذا الملف على سكة المفاوضات على اساس الثوابت اللبنانية وحق لبنان في حدوده وثرواته.
المستجد في هذا الملف، انّ الوساطة الاميركية وصلت الى مراحل متقدّمة تحضيراً للمفاوضات بين لبنان واسرائيل برعاية الامم المتحدة في مقرّ «اليونيفيل» في الناقورة. والموفد الاميركي دايفيد ساترفيلد انتقل من بيروت الى اسرائيل للحصول على جواب اسرائيلي حول بعض الأفكار اللبنانية، وكان يُفترض ان يعود اليوم الى بيروت، الا انّه أرجأ هذه العودة. والرئيس بري، الذي كان قد حدّد موعداً للقاء ساترفيلد، تلقى امس الاول السبت اتصالاً اميركياً، يطلب تأجيل اللقاء مع ساترفيلد الى موعد يُحدد لاحقاً.
– السادس، وليس بعيداً عن الحدود اللبنانية، ثمة لغم خطير، وهو لغم الانقسام الفلسطيني. وقد صبّ الرئيس بري جهداً كبيراً لتفكيكه، ولتأكيد وحدة الموقف الفلسطيني الجامع بين السلطة وسائر الفصائل الفلسطينية. ونجح بري في هذا الجمع في لقاء وفدين من السلطة والفصائل امس الاول السبت في عين التينة تخللته مصالحة، وتأكيد وحدة الموقف.
دافع بري الى هذا الامر، هو ما يُحاك لفلسطين ولقضيتها التي يُراد لها ان تُقتل وتموت، من خلال «صفقة القرن»، والترتيبات التحضيرية التي تسبق إعلانها، كالمؤتمر الاميركي في المنامة. وبالتالي، فإن الانقسام الفلسطيني يشكّل جسر عبور للصفقة، واما وحدة الموقف الفلسطيني بكل فصائله، فيشكّل عامل الاسقاط للصفقة والمانع لإسقاط فلسطين وقضيتها.
عندما يُسأل بري عن التوتر المتزايد في المنطقة، يكتفي بالقول: «لا اعتقد انّ المنطقة ذاهبة الى الحرب، فلا احد يريدها».