أطلق الرئيس نبيه بري مبادرته الحوارية، المنتظرة ضمن اطار نداء استغاثة عكس حجم احساسه بالمخاطر المحيطة بلبنان، وقدم لمبادرته بتأكيد فعل ايمانه بثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، التي أطلقها صاحب المناسبة الإمام المغيّب موسى الصدر، مرفقاً قوله هذا بتطمين من يراهنون على خلافه مع حزب الله بأنهم واهمون.
وفي اشارة ضمنية الى العماد ميشال عون، أكد بري ان للتغيير الذي تحمل اسمه الكتلة العونية باباً واحداً هو مجلس النواب، مطمئناً من يعنيهم الأمر الى أن بقاء الحكومة ضرورة وطنية.
الدعوة مجدداً الى طاولة الحوار، كانت محور المداولات السياسية منذ بضعة أيام، وهو يشكّل في مرحلة التخبّط السياسي القائم ضرورة وطنية من دون شك، وهذا ما يدركه الجميع، أكان في ٨ أو ١٤ آذار، لكن ثمة أطرافاً لدى الفريقين، بدأوا يطرحون ملاحظات بعضها في الشكل، وبعضها الآخر في الأساس. في الشكل، ثمة نواب مسيحيون يرون ان دعوة رئيس المجلس الى طاولة الحوار مجدداً، وترؤسه هذه الطاولة، لا تتآلف مع اتفاق الدوحة، الذي أوصى بأن يرأس رئيس الجمهورية طاولة الحوار، التي كان أرساها الرئيس بري قبل الدوحة. وهذا يعتبره هؤلاء بمثابة افتئات على حقوق المسيحيين التي يطالب بها العماد عون صبحاً مساء…
أما في الأساس، فالتجارب لا تشجع، إذ كم من مؤتمر حوار انعقد وصدرت عنه مقررات أخذت طريقها الى التنفيذ الصحيح، من حوار الطائف ذي الرعاية العربية والدولية، الى الدوحة المُرعى عربياً أيضاً، حيث كان التنفيذ جزئياً، وصولاً الى المؤتمر الذي دعا اليه الرئيس ميشال سليمان في القصر وتمخض عنه اعلان بعبدا، الذي وقّعه الجميع، ولم يلبث البعض ان اعتبره مجرد حبر على ورق؟
من هنا ستواجه دعوة الرئيس بري بتحفظات محددة على هذا الأساس، أساس ان وكالة الرئاسة أعطيت لمجلس الوزراء في المسائل التنفيذية، لكن ما من وكالة لأحد في رئاسة طاولة الحوار، والحل بنظر هؤلاء هو في العودة الى مجلس النواب كهيئة ناخبة، وانتخاب الرئيس أولاً وقبل كل شيء.
ويرد على هذا، بأن الحوار الذي دعا اليه الرئيس بري، اجتهاد سياسي وليس نصاً دستورياً، ثم ان جدول أعماله مبتدؤه رئاسة الجمهورية، أما عن انعدام الجدوى أو قلة الالتزام، فالحوار هو اطار تشاوري أكثر منه تقريري، وهو ان لم ينتج مقررات قابلة للتنفيذ فإنه يكون برد أجواء سياسية، عالية الالتهاب، كما التي نعيشها اليوم.
فالحوار مطلوب الآن، والبلد تحت مظلة الحراك الشعبي المنتفض على الطبقة السياسية، كبيرها وصغيرها، من نافذة النفايات الى باب الفساد المزكم للأنوف، يحمل في طياته معنى التأكيد على أن الطبقة السياسية المطلوب تغييرها تبحث عن الحلول للمعضلات السياسية والوطنية، وليس فقط عن المصالح العائلية والشركات الخدماتية والحسابات المصرفية…
والراهن ان هذا الحراك الشعبي، بمعزل عمن يكون عقله المدبر أو صندوقه الممول، حرك المياه الراكدة في المستنقع اللبناني، والسواكن الجامدة في حياته السياسية، وقد وعّى الناس على حقوقها وأقنع المسؤولين بأن عليهم أن لا يتصرفوا على قاعدة قولوا ما تشاؤون ونفعل ما نشاء انما عليهم بعد اليوم التصرف على أساس ان الشوارع تطرب لخبط الأقدام، وان بعض السياسيين كدمى من شمع، تذوب من حر الأنفاس…