Site icon IMLebanon

دعوة بري الثالثة للحوار بقالبها الجديد وضعت قوى سياسية في «خانة اليك»

 

 

جنوح البعض إلى سياسة «الأبواب المغلقة» يعني استيطان إضافي للشغور الرئاسي

 

أحدثت الدعوة الحوارية الثالثة التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري في خطابه الأخير في مهرجان الإمام موسى الصدر من حيث التوقيت والمضمون، إرباكا وحيرة لدى الفريق الذي سبق وأن أطلق النار على دعوات مشابهة لرئيس المجلس لاحتواء الأزمة الرئاسية والحؤول دون تفاقم الأمور كون ان الصورة كانت واضحة لديها قبل أن يخرج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا منهيا ولايته الرئاسية لجهة استحالة انتخاب خلفا له في ظل التوازنات الموجودة تحت قبة البرلمان والتي تمنع على أي فريق سياسي التفرّد في انتخاب رئيس مما يحتّم وجود تفاهم مسبق بين الكتل السياسية قبل الشروع في عملية الانتخاب، وهذا التفاهم لكي يحصل لا بد وأن يتم من خلال طاولة حوار يجلس حولها أهل الحل والربط وجها لوجه والبحث في المخرج المؤدّي الى انتخاب رئيس مدعوم من غالبية القوى السياسية.

لقد وازن الرئيس بري في دعوته مناصفة بين الجميع، لجهة تحديد مدة زمنية للحوار وهي سبعة أيام، ومن ثم الذهاب الى جلسات متتالية الى حين انتخاب رئيس، كون ان هناك فريقا يريد الحوار قبل الانتخاب، وفريقا يريد الانتخاب ومن ثم الحوار، وبذلك يكون رئيس المجلس قد نزع الحجج من يد الجميع ووضعهم أمام مسؤولياتهم لا بل في «خانة اليك».

وقد طرحت في الوسط السياسي أسئلة حول ما إذا كانت دعوة الرئيس بري منسقة مع الخارج، أم هي دعوة للالتفاف على مبادرة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي يصل الى بيروت في السابع عشر من هذا الشهر الى بيروت أي بعد أن ينهي السفير الفرنسي الجديد جولاته البروتوكولية على المسؤولين؟

مصادر وزارية تجزم بأن مبادرة بري لم يكن منها القصد قطع الطريق على أي مسعى خارجي، وهي مجرد تكريس قناعة مكوّنة لديه انه لا يمكن الولوج في عملية انتخاب رئيس في ظل الانشطار السياسي الموجود من دون أن يسبق ذلك حوارا داخليا يفضي الى تفاهمات تسهّل انتخاب الرئيس، نعم العامل الخارجي مطلوب ومساعد غير انه غير كافٍ لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، ولا سيما ان كل الموفدين الدوليين الذين زاروا لبنان منذ اكثر من عشرة أشهر أكدوا ان الخارج لا يمكن المساعدة في هذا الإطار ما لم يساعد اللبنانيون أنفسهم، ومن هذا المنطلق بقي الرئيس بري متمسّكا بالحوار رغم الهجوم الكبير الذي شُنّ عليه رفضا لهذا الأمر.

وتقول المصادر صحيح ان الوضع السياسي مأزوم وان الشغور الرئاسي ربما يمتد أسابيع إضافية، إلّا ان المناخات التي أعقبت دعوة بري ربما تقلب المشهد وتجعل إمكانية انتخاب رئيس واردة في وقت قريب حيث ان «البونتاج» الأوّلي يفيد بان أكثر من ثلثي أعضاء المجلس أيّدوا فكرة الرئيس بري، زائد ان البطريرك الماروني بشارة الراعي أشاد فيها وهذا بحد ذاته يشكّل رافعة دعم قوية للدعوة.

من هنا فان المصادر الوزارية ترى ان لبنان أمام فرصة للخروج من أزماته في حال أحسنت بعض القوى السياسية التصرف مع هذه المرحلة التي تتطلب الابتعاد عن الخطاب التوتيري لأنه ليس من مصلحة أحد اللعب بالاستقرار الداخلي، لأنه إذا وقعت الواقعة سيترك لبنان لمصيره في ظل الانشغالات الدولية بالمشاكل التي تعصف بالمنطقة بالطول والعرض، مشدّدة على ان المناخات الداخلية والخارجية تبدّدت، وبالتالي على الجميع قراءة هذه التبددات بشكل صحيح ودقيق واتخاذ القرار بما يتلاءم معها، ولا سيما ان العودة الى الدعوة لانتخاب رئيس على غرار الجلسات السابقة غير واردة لدى رئيس المجلس على الاطلاق، وانه في حال وجّه الدعوة فهي لن ترفع إلّا بانتخاب رئيس يقسم اليمين ويصعد الى قصر بعبدا لاستقبال المهنئين.

وفي رأي المصادر ان الحوار القائم بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» قطع شوطا لا بأس به في الاتجاه الصحيح، ووصل الأمر الى مرحلة تشكيل لجنة مشتركة للبحث في النقاط المطروحة، وهذا بحد ذاته يشكّل قوة دفع في اتجاه العمل على وضع حد للشغور الرئاسي ولا سيما ان النائب جبران باسيل منحاز الى طرف الرئيس بري في دعوته الحوارية، على عكس ما كان الوضع عليه في حزيران الماضي، بمعنى ان هناك أكثرية في طريقها للتكريس، وفي حال بقيت الأمور على النحو الذي هي عليه اليوم يصبح من السهل انتخاب رئيس في الدورة الثانية من عملية الاقتراع، وفي حال طرأ ما يعكّرها فاننا سنكون أمام مشهد غير مريح على كل الصعد، ويتمدد أمد استيطان الشغور الرئاسي مدة طويلة.

لكن المصادر تتوجس خيفة من أن تحمل الأيام المقبلة موجة من التصعيد السياسي الذي ربما تكون الغاية منه تحسين الشروط، أو خلفه تحريض خارجي لتوظيف ذلك في المعارك التفاوضية الجارية حول أكثر من ملف وفي أكثر من دولة.