بدا في الشهرين الماضيين أن المنطقة وُضعت على سكة الحلول: حراك دبلوماسي مكثف شهدته العواصم الاقليمية والدولية بعد توقيع الاتفاق النووي الايراني مع الدول الغربية؛ تفويض أميركي لموسكو بالبحث عن حل للأزمة السورية؛ الزيارة الشهيرة لعلي مملوك الى الرياض؛ وغيرها كثير، مما أوحى بأن كرة الحلول لن تلبث أن تتدحرج وتكبر لتشمل كل الملفات العالقة والمعلّقة بما فيها اللبناني.
سرعان ما بدأت تتوالى مواعيد إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان على وقع ما أُشيع عن مفاوضات ايرانية ــــ سعودية حول اليمن في مسقط، مترافقاً مع جولات السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل على المسؤولين وحثهم على تفعيل العمل الحكومي وضرورة اجراء الانتخابات.
التقط الرئيس نبيه بري اللحظة في خطاب النبطية، الأحد الماضي، فدعا الى «إدراك أهمية الاتفاق النووي… الذي لا بد ان يعيد صياغة استقرار نظام المنطقة، بدءاً من اليمن». إنطلاقاً من ذلك، أعاد إحياء طاولة الحوار. وفي مضمون الدعوة وشكلها، راعى خواطر كل الأطراف. في المضمون عبر اقتصار البحث على قضايا رئاسة الجمهورية وعمل مجلسي النواب والوزراء وقوانين الانتخابات واستعادة الجنسية واللامركزية الادارية (وهي مطالب لـ 8 و14 آذار والتيار الوطني الحر). وفي الشكل عبر تمثيل كل الكتل النيابية. بذلك، يصيب بري أكثر من عصفور: يؤكّد مرجعيته ضمن التركيبة القائمة؛ يلبّي رغبة مزمنة لدى الرئيس تمام سلام بإخراج المسائل الخلافية من مجلس الوزراء؛ يسحب الجدل والاعتراضات العونية من داخل الحكومة ومن الشارع الى طاولة الحوار؛ ويواكب المساعي الاقليمية والدولية بتهدئة داخلية تساعد على تلقّف اي فرصة وترجمتها بانتخاب رئيس للجمهورية.
مصادر مطلعة على الحراك الدبلوماسي في المنطقة تؤكّد أن الثغرة الرئيسية في «الخريطة و«الحقيقة الوحيدة» هي أن لا مفاوضات سعودية ــــ ايرانية حالياً، لا في مسقط ولا في غيرها. وبالتالي، فإن كل المعطيات والتحليلات التي تتحدث عن انتخاب رئيس خلال شهرين، نتيجة هذه المفاوضات المفترضة، «لا صحّة لها على الاطلاق». وتشير هذه المصادر الى أن حزب الله، المعني الأساسي بهذا الملف لجهة التزامه بمرشح وحيد هو العماد ميشال عون ولجهة ايكال الايرانيين والسوريين الملف الرئاسي له (وهو ما أبلغته طهران ودمشق لباريس صراحة)، «ليس في أجواء اقتراب الاستحقاق الرئاسي».
ويؤكّد ذلك ما علمته «الأخبار» من أن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبداللهيان أبلغ سلام، خلال زيارته الأخيرة لبيروت، بأن السعوديين «وافقوا مبدئياً على الجلوس معنا ولكن لم يتم الاتفاق بعد على توقيت اللقاء ولا على مكانه».
وحتى ذلك الحين، ترسم المصادر صورة قاتمة للوضع الاقليمي، لافتة الى ان التوتر الايراني ــــ السعودي في أعلى مستوياته حالياً: في اليمن تصعيد عسكري سعودي كبير. في العراق تشن الرياض حرباً ضخمة ضد النفوذ الايراني. التصعيد في أعلى مستوياته في سوريا أيضاً حيث الحرب لا تزال مستعرة، وحيث عاد السعوديون الى المربع الأول عبر المطالبة بإبعاد الرئيس بشار الأسد شرطاً لأي حل، متراجعين عن التعهدات التي قطعها ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لموسكو بالبحث في المشاركة في تحالف لمكافحة الارهاب يجمعهم مع السوريين والأردنيين والأتراك. أما في لبنان، ورغم مصلحة الطرفين السعودي والايراني بعدم هزّ الاستقرار، إلا أنهما لا يزالان أبعد ما يكونان عن التوافق على أي من الملفات فيه. أضف الى ذلك أن المفاوضات الاميركية ــــ الايرانية حول ملفات المنطقة لم تنطلق بعد، ولن تبدأ الا بعد توقيع الاتفاق النووي في الكونغرس ومجلس النواب الاميركيين. وهي متى انطلقت، فعلى القاعدة التي وضعها مرشد الثورة الاسلامية علي خامنئي: «لا مفاوضات على حساب حلفائنا في المنطقة»، ما يؤشر الى أن حصد ثمارها لن يكون قريباً.
وعليه لا ترى المصادر في دعوة بري الى الحوار أكثر من محاولة لـ «تنفيس» الاحتقان وإخراج الجميع من عنق الزجاجة. وبالتالي، فإن كل ما يشاع، أميركياً ومحلياً، عن انتخابات قريبة «لا بوادر ملموسة له على الاطلاق». وتخلص الى أن المطروح اليوم أمران: محاولة تهدوية لرئيس المجلس في انتظار اتضاح المسارات الخارجية علها تنعكس ايجاباً على لبنان، ومشروع الفوضى «المضبوطة» الذي ترعاه واشنطن، بتمويل قطري، علّه يضغط على الجميع ويجبرهم على الوصول الى رئيس تسووي. ولكن، في الحالتين، الأمور تحتاج الى مزيد من الوقت، على عكس رغبات بعض من جهّزوا البزّة البيضاء وتصدّروا الشاشات على ظهر الحراك المطلبي أخيراً.