تتوجه الأنظار مجددا هذا الأسبوع إلى طاولة حوار الرئيس نبيه برّي، التي لا يزال مكان إنعقادها موضوع جدل نظرا للترتيبات الأمنية التي تأخذ في الإعتبار الحراك الشعبي الموعود، والعمل الجاري على التحشيد له ليكون شبيها بمشهد الـ29 من آب الماضي،حين إستطاع المتظاهرون أن يجمعوا الجماهير على خلفية شعارات ومطالب محقّة ـ وإن كانت خلفية كل جهة ـ الاستثمار بطريقة خاصة ووفق أجندة معينة.
لا شك أن المتحاورين في جلسة الأربعاء سيواجهون تحدّيات داخل الجلسة فيما بينهم، وفي الخارج من الحشود الشعبية التي تنوي «محاصرة» مكان الإنعقاد وملاحقته أينما وجد، سواء في مجلس النواب أو في «عين التينة» حيث الإجراءات الأمنية المشددة قد اتخذت، ويبقى توقيت كشف المكان متروكاً للساعات الأخيرة ولتقدير الرئيس برّي والجو العام.
مصادر مطلعة في حركة أمل تقول إن تأجيل عقد جلسة الحوار نهار الأربعاء غير وارد أقلّه في الجلسة الأولى، وأن غياب مكوّن مسيحي أساسي مثل «القوات اللبنانية» سيشكّل نقصا واضحا. ولكنه لن يلغي الجلسة، نظرا لوجود حلفاء يتشاركون مطالب وأجندة القوات اللبنانية نفسها على طاولة الحوار وتحديدا تيار المستقبل، وتتابع المصادر: أما إذا إمتنع عن حضور الحوار أي طرف آخر عندها يصبح الحديث عن امكانية التأجيل وارداً، ولكن لا شي من هذا القبيل لغاية الآن. وبخصوص الحديث عن نية المتظاهرين «محاصرة» المجتمعين اشارت المصادر الى إن هذا الموضوع لن يدفع بالرئيس برّي إلى التأجيل، بل بالعكس فقد أعلن رئيس مجلس النواب أن موضوع الحوار – بخلاف ما يروج له بعض الداعين لهذه التحركات – ليس حوارا «فولكلوريا»، إنما سيكون بمثابة الضغط على المجتمعين من أجل حلحلة أمور هي جزء من مطالب هذا الحراك، أي عندما يستطع الحوارفتح ثغرة واحدة في جدار الأزمة وتكون على سبيل المثال إعادة تفعيل مجلس الوزراء أو الإتفاق على آلية القرارات داخله. فإن هذا الأمر سوف ينعكس حلحلة على صعيد الأمور الحياتية العالقة وعلى رأسها ملف النفايات الذي سبّب أزمة وطنية كبرى وبالتالي نكون قد أنجزنا ملفا خلافيا ومطلبا شعبيا، وفي الوقت نفسه نكون قد أعدنا عجلة العمل الحكومي المتوقفة منذ فترة، وهو ما يمكن أن يقال عن «تشريع الضرورة» الذي يمكن أن يعيد فتح أبواب المجلس النيابي ويعيد الحياة السياسية إلى البلد ويسهم بتنفيذ مشاريع حياتية تدخل أيضا في صلب الأزمة الحالية.
وتتعجب هذه المصادر من الأصوات أو الاحتجاجات التي رافقت دعوة برّي للحوار بالقول، إن دول العالم كلها تضغط حاليا من أجل فتح حوار إقليمي حول الأزمة السورية من أجل إيجاد مخرج لها، ونحن في لبنان نصوّب على دعوات الحوار الداخلي، فهل يجب ان تكون الدعوة خارجية لكي يتم القبول بها، أم تعودنا أن ننتظر من دول العالم إملاءات لحل مشاكلنا وبعدها نشتكي من محاولات التدخل الخارجي، وأكدت أن دعوة برّي هي دعوة «لبنانية» صرفة وهي صناعة لبنانية مئة في المئة، وعلى عكس كل الدعوات السابقة التي كانت تتم «بنصائح» خارجية، فإن برّي هو الذي أبلغ الأطراف الخارجية عن نيته إجراء حوار داخلي عندما إنسدّ الأفق تماما واستشعر خطرا داهما، فكان ترحيبا وتشجيعا خارجيا وغربيا، وتفهّماً وحاجة داخلية جعلته ينطلق في موضوع الدعوة، من دون المغالاة أو الافراط في التفاؤل بتحقيق المعجزات، لأن أجندة الأطراف السياسية صعبة ومتناقضة ورؤيتها للحلول أيضا مختلفة، لكن رغم كل ذلك يدرك برّي أنه لا مناص ولا هروب من أن يجلس الجميع حول طاولة واحدة… وهذا أضعف الإيمان!
وحول المخاوف من تسلل ما يسمى «بالربيع العربي» إلى لبنان ـ على غرار بعض الدول المجاورة ـ يقول مصدر قيادي في حركة أمل، إن الرئيس بري يراهن على وعي الشعب اللبناني وقدرته على تحليل الواقع ومواجهته وخاصة الأوضاع التي آلت إليه بعض هذه الدول ولا تزال، وهو أمر يحصّن الساحة الداخلية ويجعلها حذرة من تبني كل الشعارات التي تُرفع حاليا وتحت مسميات وعناوين مختلفة، ما هو محقّ وتدعمه قيادة أمل منذ عهد الإمام موسى الصدر عندما طرح إستراتيجية لبنان دائرة انتخابية واحدة على قاعدة النسبية ولكن هذا الطرح تمت مجابهته على أرض الواقع بالرفض من بعض الفئات التي ستتأثر سلبا فيما لو تمّ إقراره، عدا موضوع إلغاء «الطائفية السياسية» الذي لا يزال ينادي به برّي منذ توقيع اتفاق الطائف حتى اليوم من خلال الدعوة إلى إنشاء الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية. والتي جوبهت بالرفض من أكثر من فئة، ويتابع إن إمكانية خرق هذه المطالب الشعبية أمرُ وارد جداً، وهو ما يتخوف منه برّي ويحذّر منه عندما كشف أن لبعض مُحرّكي المطالب ارتباطات سياسية خارجية أو على الأقل علاقات مع سفارات أجنبية وتحديدا أميركيا وهو أمر لم ينكره السفير الأميركي دافيد هيل عندما إلتقى رئيس مجلس النواب، الذي جدد له دعم الولايات المتحدة لفكرة حوار الأقطاب السياسيين مع ضرورة حماية حرية الرأي والتعبير التي تجاهر به دوما الولايات المتحدة.
أوساط سياسية متابعة لتحركات عين التينة والتحضير للحوار تقول، إن مهمة الرئيس برّي تبدو اليوم أصعب من مهماته الحوارية السابقة، لإنها تأتي على وقع تحركات جديّة شعبية إنطلقت بقوة وهي مرشحة للتصعيد، ولم تفلح كل محاولات التخويف والتشكيك ـ لغاية الآن ـ في هدمها، والدليل أنها تجاوزت الإنقسامات في الشعارات والقيادات التي تعرضت لها في بداية تحركها وإستطاعت لملمة صفوفها والانطلاق سوف يكون مجددا نهار 9 آب وهو اختبار جديد لهذه التحركات على قدرتها على الحشد والمواجهة، لا بل على العكس سوف تحاول أن تجذب لها بعض التيارات النقابية والعمالية والمدنية في هذا الحشد تحت شعار طرح عناوين تؤمن بها هذه المجموعات لا بل تناضل من أجلها منذ سنوات بعيدة وهي ستكون نقطة قوة لهذه المجموعات، مقابل العقبات الكبيرة التي يتخندق خلف متاريسها أطراف الحوار الموعود حيث يتسلح كل بملفاته وبشارعه وتمثيله الأقوى – وحتى بأولوياته – وتحديدا بين تيار المستقبل والعماد عون، واليدّ على الزناد قبل دخول الجلسة وهو الأمر الذي يتهيأ له الرئيس برّي ويدركه ويستدعي «حنكته» من أجل تدوير الزوايا وإجبار الموجودين على اجتراح حلول – ولو جزئية – لأن الفشل ممنوع وهو الشعار الذي يرفعه الرئيس برّي في أول جلسة، التي ستكون إمتحانا لإستكمال الحوار.. أو توقفه.