لا تعويل جديّ على حركة الموفد الفرنسي جان- إيف لودريان لتحقيق الخرق في جدار الرئاسة، المقفل. الأجواء الأقليمية والدولية لا توحي، إلى الآن، بأي تغيير نوعي قد يسهم في بلورة اتفاق يخرج الشغور من قصر بعبدا. لا بل هناك من يرى في المشهد السوري الآخذ في التصعيد والتوتر، دليلاً موثقاً بالحديد والنار، على أنّ المرحلة ليست مرحلة تفاهمات عابرة للجبهات. وبالتالي، إنّ الركون إلى حركة وزير الخارجية الفرنسي في هذه اللحظة بالذات، فيه الكثير من المبالغة التي هي في غير محلها.
هكذا، من المتوقع أن يغادر لودريان، كما وصل، خالي الوفاض، حتى لو حمل أفكاراً جديدة قد تضفي بعض الحيوية على المشهد اللبناني، لكنها لا تكفي لتعدّل في المسار العام الذي لا يزال دون بلوغه حالة إنضاج تفاهم رئاسي… أقلّه في المدى المنظور. ذلك لأنّ بعض المواكبين للحراك الإقليمي يلمحون إلى أنّ ثمة تقاطعاً وجد له مكاناً ضيقاً ومحدوداً على طاولة المفاوضات السعودية – الإيرانية، حول الملف اللبناني، قد يفضي إلى اتفاق حول هوية الرئيس اللبناني المقبل، مشيرين إلى أنّ هذا التقاطع لم يحسم هوية الرئيس، وإنما توقف عند عتبة المواصفات، وهي مدخل إلزامي لتحديد اسم الرئيس المقبل، لافتين إلى أنّ الحراك الفرنسي قد يكون التوطئة لترجمة هذا التقاطع من خلال التمهيد له خلال لقاءات لودريان مع المسؤولين اللبنانيين.
لكن حوار لودريان معطوب في أساسه، بفعل رفض عدد من القوى والكتل النيابية المشاركة فيه، أسوة بما تتعرّض له مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قرر فتح أبواب البرلمان أمام جلسة انتخابية جديدة، ولكن بعد أن يستضيف طاولة حوار موسّعة، كان يأمل في أن تمهّد لاتفاق يؤمن انتخاب رئيس في ختام الجلسات الانتخابية، أو الدورات الانتخابية اذا لم يفرط النصاب أسوة بما حصل طوال الجلسات الـ12 التي جرت في المجلس منذ تحوّله هيئة ناخبة.
اذ أنّ التناقض في موقف «تكتل لبنان القوي» من الحوار، يجعله في مهب الريح، ذلك لأنّ مشاركة «التكتل» أساسية في ظلّ رفض القوى المسيحية الأخرى الجلوس إلى طاولة بري الحوارية.
اذ بعدما سارع باسيل إلى الترحيب بمبادرة بري مؤكداً أنّ «ما سمعناه من رئيس مجلس النواب جيّد وإيجابي، وإذا كان هيك ان شاء الله بكون عنا رئيس بشهر أيلول»، ربط «التيار» مشاركته «بضمانات أن ينتهي هذا الحوار بجلسات مفتوحة للمجلس النيابي لانتخاب الرئيس لا تتوقّف حتى حصول هذا الانتخاب»، ليتحدث باسيل حديثاً عن «صيغة ملتبسة لجلسات متتالية وكأن هناك نية لتطيير الفرصة، وبالمقابل ترفض المعارضة الحوار بالمطلق وكأنها تقوم بخدمة لصاحب المبادرة لتطيير الجلسات المفتوحة»، خاتماً المسلسل بالقول «أخشى أن نكون عدنا لتحالف الطيونة لتطيير الفرصة بالرئاسة».
وأسوة بما كان يفعله عشية كلّ جلسة اشتراعية، ها هو يعيد الكرة في ترك الإلتباس يحيط بموقفه من الحوار ولو أنه بات يميل إلى عدم المشاركة، لا سيّما وأنّ الحوار الثنائي بين «التيار» و «حزب الله» محفوف بالمماطلة والمناورة، فيما بري كان يراهن على تحقيق خرق على هذا المسار يسمح له بفتح باب البرلمان، ولتقديم سليمان فرنجية رئيساً غير منتخب، حتى لو طار النصاب في الجلسة الثانية. لكن بري يكون بذلك قد غسل يديه من تهمة التعطيل ورماها على الآخرين.
ولكن يبدو أنّ باسيل هو من يتولى صياغة المخرج الذي يعفي بري من ضريبة فتح باب المجلس، اذا ما تقاطعت القوى المسيحية على خيار المقاطعة ورفض المشاركة في الحوار، وهو الشرط الذي يضعه بري لتحديد موعد لجلسة انتخابية جديدة.
وفي ظلّ هذه المشهدية، لن يخاطر بري بتحديد موعد للجلسة الـ13 لانتخاب رئيس طالما أنّ موازين القوى لا تزال على حالها أسوة بالجلسة 12 التي جرت في 14 حزيران الماضي، حيث كشف باسيل خلال اجتماع المجلس السياسي لـ»التيار الوطني الحر» الأسبوع الماضي أنّه أبلغ «حزب الله» صراحة أنّه في حال دعا بري إلى جلسة انتخابية، فهو سيصوت لجهاد أزعور.
كذلك أبلغ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب تيمور جنبلاط وفد النواب المعارضين الذين التقوه الأسبوع الماضي، أنّه لا يزال حتى هذه اللحظة عند خيار أزعور، واذا ما حدد موعد جديد لجلسة انتخابية، فسيعيد التصويت له. فهل يخاطر بري بفتح باب البرلمان؟ طبعاً لا.