Site icon IMLebanon

برّي يستدرج عروض التضحية بميشال عون!

الخطاب الـ 38 يُعزّز خيار الصمود لدى الخصوم… والمستقبل على رفضه لدوحة جديدة

برّي يستدرج عروض التضحية بميشال عون!

«حزب الله» لن يُفرّط بالورقة اللبنانية و14 آذار لن تقبل إلا بتسوية تُخرج سلاحه نهائياً من «المعادلة الداخلية»

أعاد رئيس مجلس النواب نبيه برّي في خطابه بالذكرى الـ 38 لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه طرح «السلة المتكاملة» للخروج من الأزمة السياسية الداخلية، لكنه طرح لم يكتسِ ثوب المبادرة، بل تعدّاه إلى منطق الحزم والحسم بأن لا طريق للإفراج عن الرئاسة الأولى إلا بخارطة الطريق التي رسمها. قالها بوضوح «إن إنجاز الاستحقاق الرئاسي يحصل في حال التوافق على ما بعد الرئاسة، إذ أن الرئاسة وحدها لا تكفي اللبنانيين شرّ الخلاف والاختلاف». ثم ذهب للحديث بلغة أوضح بأنه لا بدّ من التفاهم على قانون انتخابات وعلى تشكيل الحكومة مما يتيح لنا انتخاب الرئيس حتماً، ومن دون ذلك عبثاً.

أراد بري أن يُخاطب الفريق الآخر بلغة «عبثاً تحاولون»، وهو منطق وصفه قياديون في «تيار المستقبل» بالمنطق الخطير لرئيس السلطة التشريعية الذي يتمادى في تجاوز الآليات المتبعة في الاستحقاقات الدستورية، في وقت يدعو فيه إلى التزام الدستور، في الخطاب نفسه.

وفي رأي متابعين على مقلب «الرابع عشر من آذار»، فإن برّي كان يُعبّر في طرحه عن موقف «حزب الله» الذي أخذ الرئاسة رهينة بيده ولن يُطلق سراحها من دون تحقيق مكاسب سياسية مرحلية تتمثل بقانون انتخابات على أساس النسبية وتشكيل الحكومة بثلث مُعطّل والإمساك بمفاصل الدولة عبر التعيينات الإدارية في المراكز الحسّاسة في الدولة، وإنْ كان ثمة مَن يعتبر أن «حزب الله» لا يزال على يقين بأن أوان التسوية لم يحن بعد، وأنه لن يُفرّط بـ«الورقة اللبنانية» قبل أن تتبلور المعطيات الإقليمية، بوصفها جزءاً من أوراق القوّة بيد إيران، والتي ستستخدمها في حرب تكريس نفوذها في المنطقة.

غير أن تمسّك برّي بالسلة المتكاملة مدخلاً للإفراج عن الرئاسة، أدرجه قيادي سابق في حركة «أمل» وأضحى على خصومة مطلقة مع رئيسه، في إطار استرضاء الحزب وإغرائه بأن تحقيق هذا القدر من المكاسب السياسية يشكّل فرصة ثمينة لا بدّ من التقاطها إذا سار الفريق الآخر بها، معيداً في خطابه التمسك بالمعادلة الماسية (الجيش، الشعب والمقاومة) وهي معادلة يُدرك بري أنها لم تعد تستقيم في أي بيان وزاري بعدما أضحى سلاح «حزب الله» سلاحاً منغمساً في الساحات الإقليمية كأحد الأذرع العسكرية لإيران، وبعدما أضحى «حزب الله» مصنفاً حزباً إرهابياً من قبل دول خليجية وعربية بفعل امتداده خارج الحدود اللبنانية.

هذا «الاسترضاء أو الإغراء»، ولا سيما بقانون انتخابات على أساس النسبية الشاملة، يهدف – وفق السياسي المناوئ لبري – إلى دفع «حزب الله» للتضحية بالعماد ميشال عون الذي يُشكّل وصوله إلى رئاسة الجمهورية انتصاراً للحزب ولمحور إيران، ذلك أن ثمة اقتناعاً بأن الحاكم الفعلي للجمهورية اللبنانية في ظل وجود عون في قصر بعبدا سيكون «حزب الله»، الأمر الذي يُمكّنه من إلحاق لبنان بكليته بالفلك الإيراني من بوابة رئيس الدولة، والذهاب لإحداث تغييرات في بنية النظام اللبناني.

وسواء كان موقف برّي يُشكّل صدىً لموقف «حزب الله» أو التفافاً عليه، فإن تأكيد «تيار المستقبل» رفضه لتكرار تجربة «اتفاق الدوحة»، الذي صُنع من خارج الآليات الدستورية، وانقلب عليه الحزب وحلفاؤه لحظة تبدّل الظروف الاقليمية، يُقفل الباب أمام إمكان إحداث خرق في جدار الأزمة، ذلك أن السير مجدداً في هذا النهج لن يؤول إلا إلى مزيد من التنازلات التي تأكل من رصيد «تيار المستقبل» تحديداً، ولا سيما أن التنازلات السابقة لم ينتج عنها استقرار سياسي ومؤسساتي واقتصادي في البلاد، ومكتسبات يمكن البناء عليها، بل ساهمت في إضعاف قوى «الرابع عشر من آذار» مجتمعة، وفي إضعاف زعيم «المستقبل» سعد الحريري، الأمر الذي يجعل الذهاب إلى أي تسوية مشابهة نوعاً من أنواع الانتحار السياسي، في ظل وجود السلاح غير الشرعي وتأثيره على الحياة السياسية وعلى مقدرات البلاد وقرارات الدولة.

فالاقتناع السائد هو أن أي تسوية جديدة لا تستند إلى سحب سلاح «حزب الله» نهائياً من المعادلة الداخلية ليست سوى «مسكنات آنية» وترحيل لأزمة ستعاود الانفجار مع كل استحقاق، الأمر الذي يضع القوى المناوئة للحزب أمام «خيار الانتظار والصمود السياسي» إلى حين جلاء المشهد الإقليمي الذي بات لبنان مرتبطاً به، خصوصاً أن حل مسألة سلاح «حزب الله» ليس قراراً داخلياً بل قرار إقليمي بعد انخراط الحزب عسكرياً في ساحات الصراع المفتوحة من سوريا إلى العراق فاليمن، فضلاً عن دوره في زعزعة أمن واستقرار دول عربية عدّة من خلال خلاياه النائمة وعملياته الأمنية فيها.

على أن خيار الانتظار والصمود السياسي كخيار وحيد متاح أمام «تيار المستقبل» يتطلب إعادة لمّ شمل التيار وقاعدته الشعبية من جهة، وإعادة توحيد صفوف من تبقى من القوى المنضوية في قوى «الرابع عشر من آذار»، والسعي إلى الحفاظ على المؤسسات الإدارية والمرافق الحيوية ومنع انهيارها وانحلالها، وتسيير الحكومة لشؤون الدولة والمواطنين، سواء استمرت في ممارسة أعمالها كحكومة قائمة أو كحكومة تصريف أعمال، إلى أن تصبح الظروف مؤاتية لتسوية داخلية فعلية تحمل في طياتها مقومات الديمومة.

فالحفاظ على الحد الأدنى من مقومات الدولة لتأمين استمرار الواقع الراهن  ليس أمراً مستحيلاً ومستعصياً، ذلك أنه يبقى، في رأي المراقبين، مطلباً وحاجة في آن لغالبية القوى السياسية، وفي مقدمها «حزب الله» الذي يُدرك أن الانهيار الشامل داخلياً يكشفه كما يكشف بيئته الحاضنة، فيما هو  يحتاج إلى أن يبقى ظهره محمياً بعد الانغماس في حروبه الخارجية ولو إلى حين!