لم تكد الموازنة تولد بعد جراحة قيصرية، حتى أصابها «عارض سياسي» مفاجئ، بفعل الخلاف المستجد على بند حفظ حقوق الناجحين في مباريات وامتحانات مجلس الخدمة المدنية، وسط تأكيد «التيار الوطني الحر» انه كان قد جرى التفاهم على شطب هذا البند في الهيئة العامة، ونفي الفريق النيابي الذي يناصر «الناجحين» حصول اي اتفاق من هذا النوع.
توحي مقاربتا أصحاب الروايتين المتعارضتين، أنّ النواب لم يكونوا في قاعة واحدة ولم يناقشوا الموازنة نفسها، وكأن كل مجموعة منهم لها عالمها المستقل وقاموسها الخاص. ويطرح سوء التفاهم المستجد، وربما ما هو أبعد منه، علامات استفهام عن المسار الذي سيسلكه قانون الموازنة بعد اقراره في مجلس النواب، علماً انّ الخطوة اللاحقة تستوجب توقيع رئيس الجمهورية عليه تمهيداً لصدوره في الجريدة الرسمية.
بدأت القصة حين أضافت لجنة المال والموازنة الى المادة 79 من مشروع الموازنة فقرة تحفظ حق التوظيف للناجحين في المباريات والامتحانات التي سبق ان اجراها مجلس الخدمة المدنية، بعدما مضى وقت طويل على تجميد مراسيم تعيينهم، نتيجة شكوى «التيار الحر» من الخلل في التوازن الطائفي للنتائج.
لم يخض نواب «التيار» معركة في لجنة المال لإسقاط هذه الفقرة، وفضّلوا ان يهيئوا الظروف المناسبة للتخلّص منها في الهيئة العامة.
وتفيد رواية مصادر «التيار الحر»، انّ رئيس لجنة المال النائب ابراهيم كنعان وعضو تكتل «لبنان القوي» النائب سيزار ابي خليل تدخّلا مباشرة لدى الرئيس نبيه بري خلال مناقشات الجلسة العامة للحؤول دون إقرار هذه الفقرة الخلافية، وانّ بري استجاب، وبالتالي طلب على الفور شطبها من الموازنة، على الرغم من انزعاج بعض النواب.
وتشير المصادر البرتقالية الى انّ تفاهماً سياسياً حصل على شطب النص المتعلق بحفظ حقوق الناجحين في اختبارات «الخدمة المدنية»، لافتة الى انّ «التيار» لا يزال يتعامل مع مسألة معاودة إدراج هذا النص في قانون الموازنة في اعتبارها «خطأ مادياً ينبغي تصحيحه».
ووفق المصادر إيّاها، استطاع تكتل «لبنان القوي» بمشاوراته تجميع أكثرية كافية لإسقاط البند المشكو منه بالتصويت في الهيئة العامة، «إلّا اننا لم ندفع في هذا الاتجاه، انطلاقاً من انّ تفاهماً جرى على إستبعاده». وتضيف: «نحن متأكّدون اننا كنا نملك القدرة على اسقاط البند المشار اليه لو طلبنا عرضه على التصويت، إلا اننا لم نفعل انسجاماً مع التوافق الذي افترضنا انه حاصل».
ولا تتردّد مصادر «التيار» في التأكيد انّ الناجحين في مباريات الخدمة المدنية فقدوا فرصتهم في التوظيف، «لأنّ القانون يلحظ استبعادهم تلقائياً، إذا مرّت سنتان على نجاحهم من دون ان يباشروا العمل»، مؤكّدة انه «من المتعذر ان نحيي الميت».
وتعتبر المصادر، انّ هناك شوائب أصابت نتائج الاختبارات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية، «إما بفعل حالات غش سُجلت في احدى المباريات، وإما بفعل الافتقار الى الحد الادنى من التوازن الطائفي في مجمل المباريات والامتحانات، حيث انّ نسبة الناجحين المسلمين وصلت أحيانا الى 95 في المئة مقابل 5 في المئة من المسيحيين فقط».
واستناداً الى هذه «الحيثيات»، لا يجد «التيار» حرجاً في التشديد على الحق المشروع في عدم توقيع مراسيم التوظيف «لانّ من شأنها ان تسبب خللاً فادحاً في تركيبة الادارة وتوازناتها». أكثر من ذلك، تلفت مصادره الى وجوب طي صفحة الناجحين ربطاً بعامل مرور الزمن، وتحرير الوزراء من قيد الانتظار المتمدد، في ظل وجود حاجة ملحة الى ملء الشواغر في الادارة، محذرة من انّ استمرار الوضع الحالي يرتب تداعيات دستورية ويهدّد الانتظام العام في الادارة. في المقابل، تستغرب أوساط حركة «أمل» رواية «التيار الحر» واستسهاله القفز فوق حقوق الناجحين في مباريات وامتحانات مجلس الخدمة المدنية، استناداً الى تفسير غير سليم للقانون.
بالنسبة الى أوساط «أمل»، لم يكن لحظ مسألة حفظ حقوق الناجحين ضمن الموازنة «خطأ مادياً»، كما يروّج «التيار»، بل كان إدراجها مقصوداً عن سابق تصور وتصميم، «وما يُنسب الى الرئيس بري عن طلبه شطبها هو إفتراء».
وتشدّد «الاوساط الحركية» على وجوب حماية حق الناجحين في التوظيف، «لانّ لا ذنب لهم في التأخير الذي حصل، بل هم ضحاياه»، مشيرة الى «انّ الدولة هي التي تلكأت في إقرار مراسيم تعيينهم نتيجة افراط البعض في الهواجس والحسابات الطائفية المبالغ فيها، فكان لا بدّ لمجلس النواب من ان يحفظ لهم حقهم المشروع وان يمنع تدفيعهم ثمن تقصير او قصور لا علاقة لهم به».
وتتابع الاوساط: «هل يجب ان نعاقب هؤلاء لانّهم صدّقوا دولتهم وتقدّموا وفق الاصول الى مجلس الخدمة المدنية لملء الشواغر بموجب قرار صادر عن مجلس الوزراء، حتى إذا ما فازوا بفضل كفاءتهم بعيداً من المحسوبيات، تأتي الاعتبارات السياسية والطائفية لتستبعدهم وتقصيهم، علماً انّ الدستور يشترط المناصفة في الفئة الاولى فقط؟ وكيف يقبل أصحاب شعار استعادة الحقوق ضرب حقوق الآخرين؟».
وتستهجن الاوساط موقف «التيار» الحاد وصولاً الى التلميح بعرقلة إصدار قانون الموازنة، «بينما في امكانه السعي الى تعديل البند الذي يعترض عليه، خلال مناقشة مشروع موازنة 2020 الذي سيبدأ البحث فيه بعد فترة قصيرة».