تعرب اوساط مواكبة للمجريات عن خشيتها من ان تنزلق الساحة المحلية الى عين العاصفة التي تجتاح المحيط وتجرف الحدود والانظمة التي ارساها اتفاق «سايكس – بيكو» اثر انفجار الخلاف بين الجمهورية الاسلامية في ايران والسعودية بعد اعدام الشيخ نمر النمر والذي جاء رد فعل على هزيمة السعودية في سوريا بعد مصرع رجلها زهران علوش الذي عقدت المملكة الآمال عليه لاسقاط دمشق، اضافة الى غرقها في اليمن والاطاحة بمبادرتها في لبنان على خلفية المشروع الذي طرحه الرئيس سعد الحريري لانجاز الاستحقاق الرئاسي. وما يثير غضب السعودية بشكل واضح ان التسوية في المنطقة التي تعد لها واشنطن بالتكافل والتضامن مع موسكو لا تطابق الحسابات في المملكة بحيث انها وتركيا ستكونان الخاسرتين في لعبة الامم على صعيد تقاسم مناطق النفوذ والمصالح الحيوية لكليهما.
تضيف الاوساط ان ظلال الصراع الايراني – السعودي بدأ يخيم على اجواء الرقعة المحلية ويحرك المرجل الداخلي في التقاصف المتبادل بين «حزب الله» من جهة و«تيار المستقبل» من جهة اخرى والذي بلغ منسوبا عاليا تمثل بالموقف الاخير لرئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الذي تناول فيه الحريري دون ان يسميه والذي اعتبره نواب التيار الازرق تهديدا صريحا في وقت لا يزال فيه الفريقان على موعد انعقاد جلسة الحوار بينهما برعاية رئىس مجلس النواب نبيه بري الذي اعرب بالفم الملآن عن مدى خطورة الاوضاع وما يتهدد الساحة المحلية من اخطار على قاعدة «اللهم اشهد اني قد بلغت»، معتبرا «انه ليس مقبولا المضي بتعطيل المؤسسات الا اذا كان هناك من يريد انهاء لبنان». وقد اشار برّي الى ان «لا رئيس ولا حكومة ولا مجلس نيابي وان استمرار هذا الوضع بات يشكل خطرا داهما ليس فقط على البنية اللبنانية بل على الدولة ككل، وهذا ليس تهويلا ولكن ليس كل ما يعرف يقال».
وتشير الاوساط الى ان لدى برّي معلومات غير مطمئنة وما يؤكد ذلك كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق حول «الغطاء الاقليمي للبنان بدأ يتراجع» ما يشير الى ان البلد دخل نفق المجهول وما يثير استغراب الجميع ان الانجازات الامنية الهائلة التي حققتها الاجهزة اللبنانية في مكافحة الارهاب يخشى ان يطيح بها اهل السياسة الذين يتصرفون وكأن البلد ينتمي الى القارة الاوروبية والغرب المتحضر وليس في قلب حرائق المنطقة، علما ان «جبهة النصرة» و«داعش» يقتطعان جزءا من الاراضي اللبنانية في جرود عرسال بالقوة وقد اجبروا السلطة اللبنانية على مفاوضتهم لاطلاق العسكريين الذين وقعوا في قبضة «النصرة» ونجح مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم في تحريرهم في وقت يتم فيه البحث عن ثغرة توصل الى «داعش» لتحرير العسكريين الثمانية الباقين لدى التنظيم التكفيري.
وتقول الاوساط ان المرحلة الراهنة دقيقة للغاية لا سيما ان صراع فريقي 8 و14 آذار المرتبط بتحالفاتهما الخارجية ربما يطيح بصيغة «اللاغالب واللامغلوب» التي اطلقها الراحل صائب سلام في نهاية احداث 1958، علما ان «اتفاق الطائف» الذي بات دستورا اجهز عليها اثر اقلاع قطاره بمن حضر غير عابئ بالمقاطعة المسيحية التي دعت اليها بكركي في انتخابات عام 1992، يوم خرج المسيحيون من السلطة ولا يزالون يعانون من استقواء الشركاء في الوطن عليهم، واثر ذلك في استمرار الشغور الرئاسي بعدما تبنى العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع مقولة «الرئيس القوي» في وقت يصر فيه الاخرون على مبدأ «الرئيس التوافقي». الا ان عملية انتخاب رئيس للجمهورية انتقلت من «البراد الى الثلاجة» وفق بري كون الخلاف الايراني – السعودي يعرف الجميع كيف بدأ ولكن لا احد يعرف متى ينتهي وما هو حجم الفواتير التي تترتب على لبنان من العملية.