صَدر مرسوم فتح الدورة الاستثنائية للمجلس النيابي بالتوافق بين رئيسَي الجمهورية والحكومة، ويمتدّ العقد الاستثنائي حتى العشرين من آذار المقبل موعد بداية العقد العادي الأول للمجلس. ويُتيح هذا المرسوم إطلاقَ ورشة العمل التشريعية التي وعَد بها رئيس المجلس نبيه برّي لدرس وإقرار جملة من الاقتراحات ومشاريع القوانين التي تنتظر البتّ بها في الهيئة العامة للمجلس. بالإضافة إلى أمور أخرى، للمجلس الدورُ الأساس فيها.
يتزامَن صدور المرسوم الذي تبلّغَته دوائر المجلس في الساعات الماضية، مع الانشغال الكلّي للبلد في محاولة فكّ الشيفرة الانتخابية التي يُمكن من خلالها النفاذ إلى الصيغة السحرية التي تنشل الانتخابات النيابية من قمقم التعقيدات والمكايدات والخلافات المستعصية.
الوقت صار داهماً، ووزارة الداخلية، ووفقاً للمهَل السارية في القانون الانتخابي النافذ حالياً، توشك أن تُطلق العدّ التنازليّ لإطلاق العملية الانتخابية التي تبعد عن اليوم مسافة أشهر قليلة أي إلى ما بين 20 نيسان و 20 حزيران. إلّا إذا تمكّنت القوى السياسية المختلفة من بلوغ صيغة بديلة تدفن قانون الستين الى غير رجعة.
وزير الداخلية نهاد المشنوق يقول إنّ الوزارة جاهزة لإجراء الانتخابات، وهي تعدّ العدّة لإتمام العملية الانتخابية، سواء على أساس القانون النافذ أو أيّ قانون آخر.
وهناك من يأخذ على الوزير هذه الجهوزية ويُدرجها في سياق محاولة إعلان مسبَق عن بقاء الستين، إلّا أنّ الأمر يختلف لدى الرئيس برّي، الذي يفهم كلام المشنوق من زاوية «أنّ مِن حقّه إجراء التحضيرات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية، وبالتالي من حقّه أن يدعو الهيئات الناخبة، ففي ظلّ عدم وجود قانون جديد، أمام وزير الداخلية قانون نافذ. وإن وجَّه الدعوة إلى الهيئات الناخبة فهذا حقّه الطبيعي ولا يستطيع أن يفعل اكثر من ذلك، كما لا يستطيع ان يفعل غير ذلك».
لكنّ كلّ شيء يتغيَّر حتماً مع الوصول إلى صيغة انتخابية جديدة، يقول برّي على أن تكون النسبية جزءاً منها، مع أنّ طموحنا الأكبر هو لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية. وأمّا في حالتنا الراهنة، فالمهم هو أن نضع أقدامَنا على سكة النسبية التي أكرّر للمرّة الألف أنّها السبيل الوحيد لانتظام الحياة السياسية في لبنان.
لقد حانت ساعة العمل، يقول برّي، ولا بدّ من ورشة انتخابية جدّية جداً، والوقت لم ينفد بعد. لكنّ الصورة الحالية ما زالت في نقطة البداية، كلّ طرف على موقفه، والمسؤولية تقع على الجميع، والمطلوب أن يتقدّم كلّ طرف خطوةً نحو الآخر، لعلّ ذلك يؤدي الى هدمِ الجدار الانتخابي، أو بالحدّ الأدنى التخفيف من سماكته. وهذا يقتضي توافقاً جدّياً ولو لمرّة واحدة، بما يُطمئن الجميع ويقلّل قدر الإمكان من الهواجس التي تثار من هنا وهناك.
مرتاحٌ برّي للتكامل الانتخابي مع «حزب الله» ونظرتهما الواحدة الى القانون الانتخابي، ومرتاح أيضاً للتوافق ما بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر»، وهو ما تمّ التأكيد عليه مجدداً في اللقاء الأخير الذي جمع الوزير علي حسن خليل والوزير جبران باسيل، «في الشقّ الانتخابي أستطيع أن أؤكد أنّنا كحركة «أمل» و«التيار» متفقان على القانون الانتخابي سواء القانون بدوائر موسّعة على أساس النسبية أو القانون التأهيلي (القضاء على أساس النظام الاكثري… ثمّ المحافظة على أساس النظام النسبي).
ثمّ يستدرك برّي: «توافُقنا الانتخابي مع «التيار الوطني الحر»، مهم، ولكنّه توافق يبقى غير كافٍ ولا يؤدّي الى الغاية المرجوّة، ذلك أنّ القانون الانتخابي يتطلب توافقاً عاماً من كلّ القوى السياسية، وهذا ما لم يحصل حتى الآن.
لا أستطيع أن أتشاءم ولا أستطيع أن اتفاءل، فالأجواء الظاهرة إيجابية، لكن لا نستطيع أن نقول إنّ هناك ترجمة فعلية على الأرض لهذه الإيجابية، بما يؤكد أنّ الأمور قد حُسمت في اتجاه إنتاج قانون جديد، ونحن ننتظر تبلوُر الأمور والمواقف الجدّية، وفي أيّ حال الفترة القصيرة المقبلة ستُذيب الثلجَ وتُظهر المرج، وتبعاً لذلك سيتم رسم الخطوات التالية… وأعود وأكررّ أنّ الوقت لم يداهمنا بعد.
وإنْ سَلكنا المسار الانتخابي الجدّي فمسألة المهَل ليست أزمة، إذ يمكن النص عليها في متن القانون الجديد، وعندها لا نعود نسمع لا نغمةَ تمديد ولا نغمة تأجيل ولا أيّ من النغمات من قبيل النشاذ الانتخابي».
وإلى جانب الشقّ الانتخابي، كانت العلاقات الثنائية بين «أمل» و«التيار» بنداً في جدول اللقاء بين خليل وباسيل. ومجرّد اللقاء بين الطرفين يقدّم إشارة جدّية على حرص الطرفين على مد الجسور في ما بينهما. ويبدو من مواقف الطرفين أنّ الباب مفتوح لمزيد من تطوير هذه العلاقة بينهما.
وهذا يكمل طبعاً، العلاقة بين الرئاستين الأولى والثانية. وفي هذا السياق يقول برّي: إنّ العلاقة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، هي علاقة جيّدة، وأنا من جهتي ومنذ اللحظة الأولى لإجراء الانتخابات الرئاسية اعتبرتُ أنّ هناك صفحةً وقد طويتها، وبدأت صفحة جديدة، وتفاهمتُ مع «فخامة الرئيس»، وهذه رغبتي بالفعل.
وأكّدت له في اللقاء في ما بيننا استعدادي لكلّ تعاون، وقلت، وأنا ما زلت عند قولي، بقدر ما أنّك يا فخامة الرئيس مستعدّ للتعاون، فأنا من جهتي على أتمّ استعداد للتعاون وأكثر. المهم بالنسبة لي أن تنطلق عجلة الدولة، وأن يترسَّخ الاستقرار في شتّى المجالات وخصوصاً الاستقرار السياسي، الذي ينسحب تلقائياً على كلّ المجالات الأخرى.
وها هي الحكومة تنطلق فعلياً في ورشة الإنتاج، بعد طول تعطّل، والمهم في رأي برّي، هو أن تكون الإنتاجية فاعلة، وأنا كنتُ وما زلت من الداعين الى أن تنطلق عجلة الحكومة مسرعةً نحو المزيد من الفعالية والإنتاج بما يَخدم مصلحة البلد ككلّ، وثمّة علامة أكثر من جيّدة تجلّت في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء وإصدار المراسيم المتعلقة بالثروة النفطية، والتي نستطيع أن نقول مع صدورها إننا وضَعنا أقدامنا على سكة الاستفادة من هذه الثروة. صحيح أنّنا تأخّرنا، لكن أن تأتي متأخّرة خير من ألّا تأتي أبداً.
إلّا أنّ برّي بدا متحفّظاً على الطريقة التي تمّت فيها التعيينات الأخيرة في مجلس الوزراء «لقد قدَّم وزراؤنا سلسلة ملاحظات على هذه الطريقة، إذ إنّ هناك آليةَ تعيين معتمَدة، كان يجب التقيّد بها وألاّ يتمّ تجاوزُها. أمّا وقد حصل ما حصل، فإنّ السؤال الذي نطرحه بإلحاح هو: هل إنّ الآلية التي كانت معتمَدة في التعيينات ما زالت سارية أم أنها قد فقَدت صلاحيتها وانتهت؟
عندما يُسأل برّي عن التعيينات الأمنية يقول: حتى الآن لا علم لي في أيّ أمر متّصل بهذا الأمر، بل لم يُطرح هذا الأمر أمامي حتى الآن، فقط أسمع ما يتردَّد هنا وهناك، علماً أنّ هذه التعيينات تحتاج الى توافق على أيّ اتجاه ستَسلكه.
هنا يَستطرد برّي، فيُعبّر عن ارتياحه للوضع الأمني في الداخل، ملاحظاً التطوّرات المتسارعة في المنطقة وخصوصاً في تركيا، منوّهاً بجهود الجيش والأجهزة الأمنية، والتي تمكّنت في إنجازاتها المتتالية، وآخرُها في وقتٍ قريب جداً، من تجنيب لبنان أذى الإرهاب والمآسي التي يُحدثها». وأمام مشهد المنطقة يقول برّي: «فلنَنظر ونتعمّق مليّاً بما يَجري من حولنا، وليَشكر اللبنانيون ربّهم آلاف المرّات على نعمة الأمن التي ينعمون بها دائماً إن شاء الله».
وفي إطلالةٍ سريعة على المشهد السوري، يقول برّي: منذ بداية الأزمة في سوريا قبل سنوات، قلنا مراراً وتكراراً إنّ الحلّ في سوريا لا يمكن أن يكون عسكرياً، بل هو حلّ سياسيّ.
الآن انظروا إلى كلّ العالم وخصوصاً الدول التي تدخّلت في هذه الأزمة، وقدّمت السلاح والأموال لتغذية الحرب، ها هي تعود كلّها وتسلّم بأنّ الحلّ العسكري مستحيل، وصارت تنادي بالحلّ السياسي… فلو أنّهم اعتمدوا هذا السبيل أمَا كانوا قد جنَّبوا سوريا كلّ هذا الخراب والدمار والمآسي وكلَّ هذا الكمّ الهائل من الضحايا؟