مصادفة، أم تصويب مقصود، أم رمية من غير رام، هذا السجال الذي دار في الساعات المنصرمة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وبين بكركي والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى؟ ثمة بادىء وثمة مكمّل كي تكتمل صورة قلوب مليانة حقاً
لا اسباب وافية للاشتباك الاول بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وبينهما ما بينهما، خصوصاً في ظل مناخات ايجابية انعكست على جهود تأليف اولى حكومات العهد، الموشكة على ابصار النور.
بالتأكيد لم يتخلّ عون عن وجهة نظر تطعن في شرعية مجلس النواب بعد تمديدي 2013 و2014 ــــ وكان طعن فيهما نائباً ــــ مع انه البرلمان الذي انتخبه رئيساً في 31 تشرين الاول، وحضر الجلسة وشارك في الاقتراع، وسلّم تبعاً لذلك بنتائج التصويت. لم يقصّر برّي ايضاً في جلسة انتخاب الرئيس في مخاطبة عون بعد انتخابه بأنه احد اركان شرعية البرلمان الذي اقترع له. في ذلك اليوم صفّق الرئيس المنتخب لـ«اللطشة» المقصودة تلك، ذات الدلالة غير الملتبسة وغير المبهمة على شرعية انتخاب منبثقة من شرعية الهيئة الناخبة.
لكن انطواء الجلسة وتأكيد الافرقاء جميعاً، وخصوصاً رئيسي الجمهورية والمجلس، على الذهاب الى انتخابات نيابية عامة، اتاح الاعتقاد بتخطي سجالات الماضي والمضي في حقبة جديدة. بيد ان سجال البارحة، مع انه اقتصر على الفعل ورد الفعل بين الرئيسين وبين الصرحين الماروني والشيعي، اعاد الشكوك في ان القلوب لا تزال مليانة حقاً.
لم يجد برّي مبرراً او تفسيراً للعودة الى موضوع تمديد ولاية مجلس النواب، خصوصاً انه «غيمة مرت»، فيما لم ينقضِ بعد على انتخاب الرئيس شهر كي يعاد فتح السجال فيه مجدداً.
يقول بري: «لا سبب على الاطلاق للعودة الى هذا الكلام ونحن نقدّم كل التسهيلات في تأليف الحكومة. لا اريد الانجرار الى هذا الجدل، لكن ليس من الممكن تجاهل كلام كالذي قيل عن المجلس. لست انا مجلس النواب، لكن ما دام المجلس لا يلتئم، انا رئيسه اتكلم باسمه».
يضيف: «تحدثوا عن الرئيس الميثاقي ونحن معهم. طالبوا بالمشاركة والشراكة، ونحن معهم في ذلك، ونطالب بدورنا بالمشاركة والشراكة. الشيعة هم الذين طالبوا بالرئيس عون واصروا على انتخابه، ايجاباً او سلباً».
يعود الى القول انه اصاب في كلامه عن ضرورة التفاهم المسبق قبل انتخاب الرئيس عندما اثاره في الاشهر المنصرمة. كان في امكان هذا التفاهم تجنيب الحكومة العراقيل التي تجبهها الآن. يقوده ذلك الى التطرق الى ما آلت اليه جهود التأليف:
1 ــــ بعد زيارته رئيس الجمهورية الاربعاء، خابر الرئيس المكلف سعد الحريري رئيس المجلس وأطلعه على واقع العقبات الاخيرة، خصوصاً رفض النائب سليمان فرنجيه حقيبة التربية التي عرضت عليه للمشاركة في الحكومة. ردّ بري بأنه يتكفل بمعالجة هذه المشكلة اذا كانت آخر العقبات التي تحول دون صدور مراسيم الحكومة. عندئذ يبذل مساعيه لدى فرنجيه لثنيه عن تحفظه، والقبول بحقيبة التربية التي يعتبرها رئيس المجلس «اساسية ومهمة، ولا تقل عن سواها». انتظر بري مساعي ليل الاربعاء علّها تفضي الى نتائج ايجابية بحسب ما افضى اليه الحريري. انقضى الليل بلا نتيجة. تحدث مجدداً صباح امس مع الرئيس المكلف الذي كاشفه بأن فرنجيه لا يزال على موقفه، ويستمهل في الرد.
2 ــــ في معرض تأكيد المساعدة على استعجال تأليف الحكومة قبل ذكرى الاستقلال، لم يمانع بري في عدم اسناد حقيبة الى المقعد الشيعي الخامس.
3 ــــ يرفض رئيس المجلس تبديل الحقيبتين المسندتين الى وزيريه، وهما المال والاشغال العامة والنقل «ما دام التغيير لم يشمل سواهما. حقيبتا الخارجية والطاقة لا تزالان في الفريق نفسه. لا تزال حقيبة الطاقة لديهم منذ سنوات ولم ننتقدهم، ولم نقل اننا نريدها. لم اطلبها ولا وافقت على الحصول عليها. حقيبة المال للشيعة عملاً بمبدأ المشاركة، وتناولتها مداولات اتفاق الطائف».
يستعيد ما قاله له الحريري عندما زاره للمرة الاولى بعد التكليف، وابلغ اليه سبب تمسكه بحكومة الـ24 وزيراً، وهو انه يفضل الابقاء على الصيغة المعتمدة في حكومة الرئيس تمام سلام باستثناء «رتوش» قليل. إتفق عندئذ، مجاراة لوجهة نظر الرئيس المكلف، بابقاء حقيبتي وزيري رئيس المجلس على ما هما عليه، زائداً حقيبتي وزيري حزب الله الصناعة والنفط والشباب والرياضة ما دام يفاوض بإسم الثنائية الشيعية.
4 ــــ يقول بري انه لم يتبرع بحقيبة الاشغال العامة والنقل لأحد، وليس في وارد التبرع بها. بل يتمسك بها نهائياً.
5 ــــ حصة فرنجيه تقتطع من الحصة المسيحية، والمارونية خصوصاً، وليس من اي حصة اخرى، ولا حتماً من الحصة الشيعية. يضيف رئيس المجلس: «بحسب علمي انه ماروني، الا اذا كان الامر سوى ذلك. عندما لا يعود مارونياً ننظر في الموضوع. حصته هناك وليست هنا. اما ان افكر في التخلي له عن حقيبة لدي، فهذا شأن بيني وبينه. قد افعل وقد لا افعل. حتى الآن لن اتبرع بالاشغال العامة والنقل».