IMLebanon

أليست مصلحة الحريري دخول السرايا قبل خروج عون من بعبدا؟

 

لا يُعقل ان تكون مبادرة الرئيس نبيه بري قد أُجهضت أو هي في طريق الإجهاض، بسبب الخلاف حول الجهة التي يُفترض ان تسمّي الوزيرين المسيحيين، إلّا إذا كان هذا السبب هو مجرد حجّة لدى الطرفين تجنباً للتأليف الذي لا يبدو انّهما يريدانه كل لأسبابه السياسية لا التقنية.

 

وافق الرئيس المكلّف سعد الحريري في الحكومتين اللتين ترأسهما في عهد الرئيس ميشال عون على مبدأ عدم تسمية اي وزير مسيحي ضمن حصته الوزارية، وعندما أصرّ على التسمية اضطر إلى تنازل عن وزير سني من حصته لمصلحة رئيس الجمهورية مقابل وزير مسيحي من حصة الأخير لمصلحته، وذلك وفق قاعدة المقايضة والمبادلة، وبالتالي لا يمكنه الاعتراض في الحكومة الثالثة على ما كان وافق عليه في الحكومتين الأولى والثانية، وهذا أقله منطق الأمور ما يعني ان هذه العقدة يفترض ان تكون محلولة لجهة عدم تسمية اي وزير مسيحي طبقا للقاعدة التي كان طبّقها بنفسه.

 

وأما كل فلسفة حكومة ثلاث (888) فترتكز على نقطة جوهرية وحيدة وهي انتزاع ورقة الثلث المعطِّل من العهد الذي يريد هذا الثلث منفرداً، فيما التوزيع المعتمد يُفترض حصوله بين قوى منقسمة سياسياً على غرار 8 و 14 آذار سابقاً، بينما توزيع الثلاث (888) الحالي لا يرتكز إلى اي قاعدة انقسامية، إذ حتى «الاشتراكي» المحسوب ضمن مجموعة الحريري (8) هو مع التسوية بين الأخير ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وأقرب إلى «حركة أمل» منه إلى «المستقبل»، فضلاً عن انّه ما الفارق مثلًا في الخيارات الاستراتيجية بين مجموعة عون (8) ومجموعة الثنائي الشيعي + «المردة» (8)؟ لا فارق طبعاً.

 

ومن هذا المنطلق، كل توزيعة الثلاث (888) شكلية ولا ترتكز مثلاً إلى توزيع جدّي بين ثلاث قوى مختلفة ومنقسمة، ولديها النية والرغبة في التعايش تحت سقف حكومة واحدة، ولكن شرط ان يكون هذا التعايش على أسس متوازنة، ما يعني انّ الهدف الأوحد من هذا التوزيع منع العهد من ان ينتزع الثلث المعطِّل منفرداً، فيما يفترض بالحريري ان يعتبر بأنّ مجرّد انتزاع هذا الثلث هو انجاز لحكومته.

 

وبالتأسيس على ما تقدّم وعلى تجربة حكومتي الحريري الأولى والثانية، فإذا اكتفى الرئيس المكلّف بتسمية الوزراء السنّة كما كان يفعل ويقبل، وتعامل مع تشكيلة الـ (888) كالتفاف على ثلث العهد المعطِّل، فيعني انّ العقدة التي يُقال بأنّها تحول دون ولادة الحكومة تكون قد حلّت، ولكن يبقى من هي الجهة التي تسمّي الوزيرين المسيحيين؟

 

وهذا بدوره أيضاً تفصيل وحلُّه بمتناول اليدّ، حيث انّ المطلوب ليس البحث عن الجهة التي ترعى تسميتهما، إنما وضع لائحة بخمسة أو عشرة أسماء لا مونة للرئيسين عليهم. وعلى سبيل المثال، من منهما يستطيع ان يمون على المدير العام لإدارة المناقصات جان العليّة، الذي أظهرت ممارسته انّه لا يتوقف أمام من عّينه او صداقاته، كونه يعمل بوحي ضميره وقناعاته، ويضع الدستور والقانون والمؤسسات سقفاً له.

 

ومثال آخر من الطينة نفسها، رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبُّود الذي لم يساير ولم يساوم، وبرهن بسلوكه انّه يحترم موقعه وموقع الآخرين، ولا يلجأ إلى الشعبوية على غرار القاضية المتمردة على القوانين غادة عون، إنما أظهر مدى مهنيته واختصاصه ورصانته وجدّيته.

 

ولن ندخل في أسماء أخرى، ونكتفي في هاتين العينتين، واي بحث يُفضي بالتأكيد الى أسماء من السيرة نفسها والوزن ذاته، كون البيئة المسيحية مليئة بالكفاءات الإدارية والعسكرية. فلماذا لا يُصار إلى توزير عليّة وعبود وتعيين بدلاء عنهما في مواقعهما، فتنفرج حكومياً، هذا في حال كانت العقدة فعلاً الوزيرين المسيحيين، ومن خلال تسميتهما يكون الرئيس المكلّف ضرب عصفورين بحجر واحد: العصفور الأول انّه اختار لحكومته وزيرين لا غبار على سيرتهما، بل يشكّل اختيارهما ارتياحاً لدى الرأي العام، خصوصاً انّ هدف الحريري الأساسي اختيار أسماء كفوءة وليس أسماء تابعة له، فيكون توزيرهما حصل ترجمة لرؤيته لطبيعة الحكومة العتيدة.

 

والعصفور الثاني، انّه يكون قطع الطريق على الثلث المعطِّل الذي يريده العهد. وكل الكلام انه لا يريد هذا الثلث في غير محله. وما يحصل اليوم في عملية تأليف الحكومة يؤكّد السبب وراء سعيه وتمسكه بهذا الثلث، وهو انّ حليفه «حزب الله» لا يمارس اي ضغوط سياسية على الرئيس المكلّف، ويقف بشكل أو بآخر على مسافة واحدة بينهما. وما يحصل في التأليف سينسحب على طاولة مجلس الوزراء، وهذا ما يفسِّر سعي العهد الى انتزاع الثلث منفرداً.

 

فأهم مبدأ في مسار التأليف يكمن في إسقاط الحجج والذرائع الواحدة تلو أخرى. فإما ان تتألف الحكومة عندذاك، وإما تتكشّف الأسباب الحقيقية للعرقلة والتي لا علاقة لها بالعِقد التقنية، إنما تتصل بعِقد سياسية تبدأ من انتزاع التعهدات المتبادلة بين طرفين يُمسكان بجدول أعمال مجلس الوزراء، ولا تنتهي بالتفاهم والاتفاق على الاستحقاقات الدستورية النيابية والرئاسية، مع دخول البلد في العدّ التنازلي لهذه الاستحقاقات.

 

وخطأ باسيل انّه يريد كل شيء دفعة واحدة، فيما اي اتفاق متوازن يفتح الباب على تعاون يومي، يُسقط تلقائياً حالة الجفاء والتباعد القائمة، لأنّ المصلحة المشتركة أقوى من اي شيء، والعلاقة بين الحريري وباسيل في بدايات التسوية كانت شيئاً، ومع انطلاقتها أصبحت شيئاً مختلفاً تماماً، خصوصاً انّ الخلاف بينهما هو من طبيعة شخصية وليس من طبيعة سياسية كالخلاف بين «القوات اللبنانية» وباسيل.

 

ومن الواضح، انّ الحريري لديه مصلحة سياسية في ترؤس الحكومة، وإلّا كان رفض مبدأ التكليف، او كان اعتذر منذ الأسابيع الأولى، وقد أظهرت أشهر التكليف الطويلة بأنّ لا العهد قادر على كسره، ولا هو قادر على كسر العهد، وبالتالي على الطرفين الاتفاق على مساحة مشتركة، خصوصاً انّ اهتمامات الناس ستتحول إلى انتخابية في المرحلة المقبلة، فضلاً عن انّه من مصلحة الحريري ان يكون في السرايا قبل خروج عون من بعبدا، لا ان يبقى رئيساً مكلّفاً، وان يسقط تكليفه مع انتهاء ولاية عون، وانتقال صلاحيات الرئاسة الأولى إلى الحكومة المستقيلة، التي عليها التوصل إلى ترتيب معيّن لإدارة مرحلة الفراغ، على غرار حكومة الرئيس تمام سلام على إثر انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.

 

فمن مصلحة الحريري التوصل الى تسوية معقولة مع العهد، من أجل ان يدخل الى السرايا، لإنّ إقامته في هذه السرايا ستكون طويلة، خصوصاً انّ كل التقديرات تفيد بأنّ الفراغ الرئاسي سيطول. ومع وجود فرصة حقيقية للتأليف مع مبادرة الرئيس بري، يجب على الحريري ان يلتقط اللحظة وعدم تفويتها كونها قد لا تتكرّر، وسيكون المتضرر الأكبر في حال الاستمرار في دائرة الرئيس المكلّف لسببين أساسيين: لأنّه قد يضطر في لحظة من اللحظات إلى الاعتذار نتيجة ضغوط أو أحداث معينة، ولأنّه سيكون في مرحلة الفراغ الرئاسي خارج السرايا الحكومية. وإذا كان يخشى من انتظارات الناس مع حكومة من هذا القبيل، فانتظارات هؤلاء الناس تبدّدت مع خلافات التأليف ولا تنتظر شيئاً من الحكومة العتيدة التي لن تختلف النظرة إليها عن الحكومة المستقيلة، إلّا في حال نجحت في إرساء صورة مغايرة، خصوصاً انّ التركيز في المرحلة المقبلة سيتحوّل الى انتخابي.

 

فهل يستفيد الحريري من «المومنتم» الحالي مع الدعم الداخلي والخارجي الذي تحظى به مبادرة بري، والضغوط على فريق العهد، من أجل الدخول إلى السرايا، لأنّه حتى لو أُجريت الانتخابات النيابية المبكرة أو في وقتها وأُعيد تكليفه ترؤس الحكومة، فلن يكون بمقدوره الدخول إلى السرايا من دون الاتفاق السياسي مع العهد، حيث انّ هذا الاتفاق يشكّل الممر الإلزامي وإلّا سيستمر الفراغ؟ وأليس من مصلحته الدخول إلى السرايا من أجل قيادة البلاد في حقبة الفراغ الرئاسي الطويل؟