فتح النار على عين التينة من بعبدا يقطع الأمل في تأليف قريب للحكومة
يفترض أن يضع هذا الأسبوع حداً للعبة شد الحبال التي تلف عنق الحكومة وتحول دون ولادتها، حيث توحي المعطيات أن «الشغل» في الداخل والخارج على خط التأليف دخل مرحلة جديدة، ومنعطفاًَ مصيرياً، خصوصاً وان الحديث بات محصورا في أمرين اثنين، لا ثالث لهما: فإما تشكيل الحكومة ووضع حدّ لمعركة عض الأصابع بين رئيس الجمهورية وفريقه السياسي من جهة والرئيس المكلف سعد الحريري من جهة ثانية، واما الذهاب إلى اعتذار الحريري ودخول البلاد في أتون أزمة سياسية ومعيشية واقتصادية غير مألوفة منذ أن نال لبنان استقلاله حتى اليوم، وبالتالي انفلات الأوضاع على غاربها بعد أن أصبحت الظروف في الشارع مهيأة لمثل هكذا مشهد.
المعلومات المستقاة من أكثر من مصدر، تؤكد أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي ماضٍ وبقوة هذه المرة في مسعاه الرامي إلى إزالة الألغام الموجودة أمام ولادة الحكومة، بعد أن ضمن بأن الرئيس المكلف لن يقدم على خطوة الاعتذار أقله في هذه الآونة، وهو كان مرتاحاً في هذا الصدد للمعلومات التي وصلته من دار الفتوى خلال الاجتماع الأخير للمجلس الشرعي الأعلى الذي انعقد بحضور الحريري والذي كان بمثابة تكريس تكليفه لتأليف الحكومة بعد أن تبلغ بأن «الدار» تقف إلى جانبه، وأن ما من أحد في الطائفة السنية ينوي طرح نفسه بديلاً عنه في عملية التأليف.
وإلى جانب هذا المعطى الإيجابي الذي برز من خلال مواقف الرئيس برّي المتتالية أمام زواره، فإن هناك معطى آخر يمكن التعويل عليه في إمكانية إعادة ضخ الروح في الاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة، وهو الموقف الفرنسي المتجدد في تأكيد وقوف باريس إلى جانب لبنان، و هو ما تؤكده السفيرة الفرنسية في بيروت خلال تجوالها على المسؤولين اللبنانيين والذين كان آخرهم أمس رئيس مجلس النواب، حيث تحاول ضخ الاوكسجين في مبادرة ماكرون.
مصادر سياسية: عون ليس في وارد القبول بأن يكون الفضل في التشكيل لرئيس المجلس
وإذا كانت هذه المعلومات تتقاطع عند إمكانية ان يتجاوز الرئيس الحريري الاشتباك الدائر بينه وبين الرئيس عون وفريقه السياسي المتمثل «بالتيار الوطني الحر» ورئيسه جبران باسيل ويصعد إلى بعبدا قبل نهاية هذا الأسبوع حاملاً معه تشكيلة حكومية جديدة، فإن مصادر عليمة تقول أن الرئيس الحريري من الممكن ان يحمل جديداً إلى قصر بعبدا في ما خص التأليف، لكن من غير الواضح ان كانت التوليفة الحكومية الجديدة سيقبلها الرئيس عون وبالتالي تنتهي الأزمة، كون أن الشرخ الموجود بين الفريقين، لاسيما لجهة غياب الثقة بحدها الادنی من غير الممكن أن يؤدي إلى التفاهم السهل علی عملية التأليف التي ما تزال تحتاج إلى تهيئة مناخات أفضل لحصول ذلك.
وفي رأي المصادر ان الحريري ربما يريد من وراء طرح تشكيلة حكومية جديدة، رمي الكرة في ملعب رئيس الجمهورية، فإن هو قبل كان به وتذهب الامور في الاتجاه الصحيح وتنتهي الأزمة، وان هو رفضها، فإن الرأي العام المحلي والخارجي سيحمله المسؤولية حيال ما ستذهب إليه الأمور علی كل الأصعدة.
وتعتبر هذه المصادر أن الأسبوع الحالي سيكون مفصلياً علی مستوى التأليف، حيث أن حركة الاتصالات في اتجاه تقريب المسافات بين بعبدا و«بيت الوسط» ستتكثف وتأخذ منحى جديداً في مقاربة النقاط موضع الخلاف بين الفريقين، غير أن نتائج ذلك تبقى رهن النوايا الصادقة ومدى تجاوب كل طرف مع الصيغ التي تطرح للخروج من المأزق الذي بات حمله ثقيلاً على الجميع.
وتستغرب المصادر كيف أن المركب يغرق بما حمل فيما أهل القرار يتلهون ويتبادلون التهم في المسؤوليات، ويختلفون على حصة من هنا وهناك، مشددة على انه في حال استمروا على هذا المنوال، فالأمور ستبقى مقفلة والبلد يعشعش فيه الفراغ علی كل الصعد، فيما القدرة الشرائية لدى غالبية المواطنين باتت شبه معدومة.
وفي رأي المصادر نفسها أنه في ظل غياب الوحدة الوطنية لمعالجة القضايا المتأزمة لا سيما عملية تأليف الحكومة، فما على اللبنانيين إلا أن ينتظروا الوفاق الخارجي علّ ذلك ينعكس إيجاباً علی الداخل اللبناني، ومثل هذا الوفاق قد ينشأ من تقارب إيراني – سعودي، أو أميركي – إيراني، أو سوري – سعودي، وما عدا ذلك فإن المراوحة القاتلة ستبقى سيّدة الموقف، مشددة على أن الازمة في لبنان أكبر من أزمة داخلية، وهي على صلة كبيرة بمجريات الأوضاع على المستوى الخارجي. وتكشف المصادر عن أن معظم الأسماء التي تطرح للتوزير لا توحي بالثقة، وتوزيع الحقائب لا يتجاوز المحاصصة، وفي بعض الأحيان بإمكاننا أن نترحم على طريقة تأليف حكومات سابقة.
وحول ما يقال من أن الرئيس المكلف من الممكن أن يحمل تشكيلة حكومية جديدة هذا الأسبوع إلى قصر بعبدا، تقول المصادر إنه حتى لو تمّ ذلك فإن الرئيس عون ما زال في غير الوارد أن يقبل بأن يكون الفضل في التأليف للرئيس برّي، موضحة أن البيان الصادر بالأمس عن رئاسة الجمهورية والذي فتح فيه النار على رئيس المجلس من دون أن يُسميه يعكس الصورة غير المريحة التي تحكم العلاقة بين الرئاستين الأولى والثانية والتي بدورها تؤثر سلباً على مجمل الوضع العام، وحتماً ستكون لها ارتداداتها السياسية مع قابل الأيام.