على طريقة السؤال الساذج الذي كان يطرحه شاب يافع على حاله أيام الحرب اللبنانية، وقد شبَّ الفتى على خبريات الحرب وأنباء الخطف والقتل والتدخلات الأجنبية، بات المواطن العادي يكرر نفس الأمثولة، السؤال: فبدل متى تنتهي الحرب بلبنان (والسؤال للفتى) حلَّ السؤال: متى يُنتخب الرئيس (والسؤال للمواطن)، لدرجة أن اللبنانيين الموزعين بين منتظر، ومتشاطر، وعابث، أو غير مكترث، صاروا يتحدثون، جلُّهم في هذا الموضوع، وكأن محاضر الاجتماعات، بين أيديهم أو أنهم وحدهم من يطلع على مضامينها أو الإحاطة بها..
في خضم أسئلة تتصل بـ «متى يُنتخب الرئيس». منها علامَ يراهن رؤساء الكتل أو الأحزاب، ولِمَ تتقدم حسابات الرفض على ما عداها، وما هي الصلات القائمة بين تعثرات الخارج، أو تأزماته وإرتهانات الداخل، التي كادت تقترب من الفضائح أو العبث، خارج المسؤولية العامة، ومحابات التفاخر أو التباهي أو ما شاكل.
يحضر في السياق، التسابق المسيحي الروحي والسياسي واللبناني والحزبي، على نبيه بري، بوصفه رئيساً للمجلس النيابي، ورئيس لحركة «أمل»، ورئيس لكتلة نيابية وازنة.
من أوجه هذا التسابق، تلويح كُلٌّ من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بأنه الرقم الصعب في الساحة المسيحية.. فجعجع الذي كاد يبشر اللبنانيين، بقرب انتخاب الرئيس الجديد، مع بداية جولة الموفد الرئاسي الفرنسي جان- إيف لودريان يصرّ على رفض مجرَّد أن ينطق بري أو أيّ من «الثنائي الشيعي» ببنت شفة، حول لقاء أو حوار أو تشاور والسبب أن فكرة الشراكة السياسية لفريق «القوات» مع هذا الثنائي سحبت من التداول، أو كأنها ليست على جدول الأعمال.
أمَّا رئيس التيار الوطني الحر، الذي تحدث أمس من الشمال وإلى جانبه الرئيس السابق العماد ميشال عون، فهو يتباهى بأنه رجل «تعطيل مبادرات بري»، لا سيما الدعوات للحوار، فهو الذي أفشل حوارات سابقة قبل انتخاب عون، وهو الذي أول من انتقد دعوة بري للحوار، وجاء بفكرة قبول الحوار، ولكن ليس التقليدي، والذي فيه طاولة مستديرة أو مستطيلة وعلى شكل حرف U، والسبب، ليس الاتفاق أو التقاطع على انتخاب هذا الشخص أو ذاك في سدَّة الرئاسة الأولى.
بل السبب الحقيقي (والله أعلم) عدم إعطاء الفرصة مجدداً ليترأس طاولة، يكون باسيل من بين المدعويين اليها، وبرئاسة بري، الذي يكن له باسيل «الشيء الكثير» من عدم الحبّ، ويحمّله كامل وزر فشل عهد الرئيس عون، ويعتبره الرأس في ما يصفه رئيس التيار المنظومة السياسية، الحاكمة و«الفاسدة».
يحتفل باسيل مع تياره في عكار، إيذاناً بفشل مبادرة بري، والرهان على الدور القطري، بعد المساهمة أيضاً بإفشال المبادرة الفرنسية والسبب الظاهر، وليس الباطن، تبنِّي ترشيح سليمان فرنجية، وإبرام ما يشبه التفاهم، الذي لا يتزعزع، مع الثنائي الشيعي ضمن الصيغة الخاصة بالتسوية: فرنجية رئيساً، مقابل نواف سلام رئيساً للحكومة..
أمَّا جعجع، فله حسابات أخرى، تتعلق بربط وضعه بمحور، مقابل لمحور حزب الله، وتأكيده اليومي أن وصول رئيس مدعوم من المنظومة، ومن محور الممانعة، يعتبر من سابع المستحيلات.. وهو يجاهر بتبنِّيه «لإعلان جدة» تاريخ 19 أيار 2023، والذي صدر عن القمة العربية على مستوى القادة والمسلوك والرؤساء العرب، وفيه بعد اعلان التضامن «حث كل الأطراف اللبنانية للتحاور لانتخاب رئيس للجمهورية يُرضي طموحات اللبنانيين، وانتظام عمل المؤسسات الدستورية، أو إقرار الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزمته».
الجديد الآن، الكلام على «حلول مستدامة» الأمر الذي ألمح إليه، لأول مرة، من على أعلى منبر دولي (الأمم المتحدة) أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل نهيان، في إشارة الى إدخال تعديلات دستورية، تخص المادة 49 من الدستور، بما يُلغي شبهات الدورات أو الجلسات واشتراط 86 نائباً لتوفير النصاب.. وسائر العلل انكشفت بالممارسة قبل الطائف وبعده بصورة رئيسية..
تصبح المبادرة القطرية سالكة إذا استبعدت فرنجية وجوزاف عون قائد الجيش اللبناني، ما دامت تتبنَّى أحد مطالب باسيل الدستورية..
أمَّا بكركي، فعادت إلى بيت الطاعة السياسية، وتبنت موقف أن الحوار يكون بعقد جلسات انتخاب، وبالتالي لا معنى لحوار بمن حضر.
بري، الحانق على السلوك المسيحي، المناوئ له، «يراوز» حملاته، سواء حضر لودريان أم تأخر عن موعد بداية الشهر المقبل.
ثمة من يعتقد أن الوقت لم يحن بعد لإنهاء الشغور الرئاسي، من دون تقديم أي سند لهذا الإعتقاد. فالتوقيت العربي والاقليمي لديه انشغالات أخرى، ليس بالطبع منها الحوار بين التيار العوني وحزب الله، أو تفاقم الأزمات الداخلية مع مواسم المدارس والحرائق، والتأزمات المالية!