لم تمرّ جلسة مناقشة الرسالة الرئاسية في المجلس النيابي دون تسجيل خسائر سياسية للوطن، فالملف الحكومي لم يكن يوماً متعلقاً بتيار المستقبل وحده أو التيار الوطني الحر وحده، بل يتعلق بكل لبناني لا يزال منتظراً تشكيل الحكومة لتخفيف عبء الأيام الثقال عنه، لذلك يمكن القول أن الشعب اللبناني هو الخاسر الوحيد في المعركة الشخصية التي تُخاض بين سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
رغم كل ما سبق، ترى مصادر نيابية أن الخسائر كان يمكن أن تكون أكبر لولا تدخل رئيس المجلس نبيه بري لتخفيف حدة الاحتقان، فالرجل نجح إلى حدّ ما بسحب فتيل انفجار العلاقة بين التيارين بشكل يجعل العودة إلى طاولة المفاوضات مستحيلة، وتمكن بنفس الوقت من الحفاظ على الدستور الذي يقول بضرورة تواصل رئيس الحكومة المكلف مع رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة، علماً أن بري يرفض تحميل المجلس النيابي مسؤولية فشل السلطات الدستورية اللبنانية في واجباتها.
تؤكد المصادر عبر «الديار» أن المجلس نجح بعدم تفضيل طرف على آخر، وتحميل الطرفين المسؤولية المشتركة لتشكيل الحكومة، كاشفة أن بري نجح أيضاً بإبقاء مبادرته على قيد الحياة، وهذه المبادرة باتت الحل الوحيد المتاح للتشكيل، وتحظى بدعم عربي ودولي كامل، إذ أن كل زيارات السفراء العرب والأجانب إلى عين التينة تشدد على دعم مبادرة رئيس المجلس، وتضع بتصرفه كل إمكاناتها لإنجاحها، وبالتالي هي لم تعد بحاجة سوى لقيام الحريري وعون بواجباتهما الدستورية على أكمل وجه، وهذا ما يدركه الرئيس بري جيداً، إذ انه أصبح على قناعة كاملة بأن ما يُعيق تشكيل الحكومة اليوم هو سوء العلاقة الشخصية بين الحريري وعون.
لم يكن الرئيس بري بوارد جمع الحريري وباسيل في المجلس النيابي خلال الجلسة، على عكس كل ما قيل، ولكنه تحدث بشكل مباشر مع باسيل والحريري، وأكد لهما ضرورة تنفيس الاحتقان، وهذا شرط أساسي قبل تفعيل العمل على خط المبادرة، وقد سمع بري من الرجلين كلاماً إيجابياً يمكن ان يُبنى عليه.
لم يكتف بري بسحب فتيل الإنفجار، إذ تكشف المصادر أن رئيس المجلس أطلق منذ يومين محاولة حكومية جديدة، لا تبتعد عن مبادىء مبادرته الأصلية، ومحاولته الجديدة هدفها التمهيد لإعادة التواصل بين الحريري وعون، دون أن يخفى على رئيس المجلس دور باسيل في هذا الخصوص، رافضة الدخول في مزيد من التفاصيل، علماً أن بري يحاول هذه المرّة حصر خطته بعدد محدود جداً من الأشخاص، لضمان عدم احتراق الطبخة مع كثرة الطباخين، مؤكدة أن الصورة ستصبح أوضح في الأيام المقبلة.
إلى ذلك تؤكد مصادر قريبة من رئيس الحكومة المكلف، أن الحريري ورغم كل ما سبق لن يُغلق الباب بوجه إعادة التواصل مع رئيس الجمهورية، لأن الرجل يعلم تماماً المبادىء الدستورية التي ترعى عملية تشكيل الحكومات في لبنان وهو لم يكن هدفه يوماً الإلتفاف على هذه المبادىء التي يحاول التيار الوطني الحر تغييرها من خلال الممارسة.