بعد طي صفحة الانتخابات البلدية والاختيارية، تستعيد الملفات السياسية زخمها، بالتوازي مع عودة السجالات الكلامية بين «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية»، حيث ينتظر رئيس مجلس النواب نبيه بري أجوبة أطراف طاولة الحوار على مبادرته وما إذا كان بالإمكان حصول تجاوب معها، الأمر الذي من شأنه إخراج البلد من أزمته، إذا كان المعطلون حريصين فعلاً على إنجاح هذه المبادرة ووضع الأمور على سكة الحل الذي طال انتظاره وتحديداً في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي المنسي، بعد تعثر الجهود التي بذلت لإخراجه من دائرة المراوحة والإسراع في انتخاب الرئيس العتيد، ومن خلال المواقف المعلنة للأطراف المعنية، لا يبدو أن المعطيات المتوافرة تسمح بكثير تفاؤل بإمكانية نجاح مبادرة رئيس المجلس، طالما أن كل فريق يتمسك برأيه ولا يريد الاستماع إلى آراء الآخرين، فـ«تيار المستقبل» وحلفاؤه ليسوا مستعدين للقبول بتقديم الانتخابات النيابية على الاستحقاق الرئاسي وهؤلاء لهم مبرراتهم الموضوعية التي تجعلهم متمسكين بوجهة نظرهم، فيما يرى «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» أن الأولوية يجب أن تكون لإجراء الانتخابات النيابية، على أساس النسبية ومن ثم يصار إلى إجراء الاستحقاق الرئاسي، أما ما يهم الرئيس بري، فهو أن يكون هناك تجاوب مع مبادرته، ما يسمح بإجراء الاستحقاقين في أسرع وقت، سواء كانت الأولوية للانتخابات الرئاسية أو النيابية، طالما كان هناك تعهد من جميع الأطراف بتنفيذ هذين الاستحقاقين.
وسط هذه الأجواء، لا ترى أوساط نيابية في قوى «14 آذار» كما تقول لـ«اللواء»، فرصة كبيرة لحصول تجاوب جدي، من قبل المعرقلين مع مبادرة الرئيس بري، فهؤلاء من خلال إصرارهم على تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، يضعون مزيداً من العقبات أمام أن ترى هذه المبادرة النور، وبالتالي سيدفع هذا الموقف قوى «14 آذار» إلى التشدد في مواقفها أكثر فأكثر لناحية رفضها الاستجابة لمطلب خصومها، بإعطاء الأولوية للانتخابات النيابية التي يستبعد إجراؤها في وقت قريب، طالما أنه لم يحصل توافق بعد على القانون الذي ستجري على أساسه، حيث يظهر بوضوح أن هناك من يتعمد عرقلة عمل اللجان النيابية المشتركة، لإضاعة الوقت واستمرار حالة الشغور، حتى يحين موعد الانتخابات النيابية في الـ«2017»، ما سيفرض إجراء هذا الاستحقاق وفق القانون النافذ إذا لم يتم التوافق على آخر، وحتى لو بقي قصر بعبداً فارغاً من سيده سنوات وسنوات.
وتشير الأوساط إلى أن سير المداولات في جلسات اللجان، لا يشجع مطلقاً على توقع التوافق على القانون العتيد، في ظل رفض «حزب الله» للقانون المختلط وإصراره في المقابل على النسبية الكاملة التي لا يمكن أن تقبل بها «14 آذار»، لأنها تمكن الحزب بواسطة سلاحه من وضع اليد على مقدرات الدولة والتحكم بالقرار السياسي، ما يعني الاستمرار في حالة الشلل والتعطيل القائمة، بانتظار أن يقتنع وحليفه العوني أن مشروعهما لن يصل إلى مكان وأن الحل الأمثل لكل الأزمات التي يعيشها لبنان، هو باكتمال نصاب جلسات الانتخاب وانتخاب رئيس جديد للبنان استناداً إلى نصوص الدستور، وليس من خلال فرض محاولات الضغوط على النواب والقوى السياسية لانتخاب النائب عون، وهو ما ترفضه قوى «14 آذار» ولا يمكن أن تسمح به، أو أن تقبل بوضع اليد على البلد وتسليمه للمحور السوري الإيراني، مشددة على أنه كلما كانت «14 آذار» موحدة ومتماسكة، كلما اضطر فريق «8 آذار» إلى مراجعة حساباته والقبول بالحلول ولو متأخراً، وبالتالي فإن اتساع رقعة التباينات داخل القوى السيادية، سيدفع الآخرين إلى التشدد أكثر والسعي إلى رفض صيغ الحلول وفرض مشروعهم، للسيطرة على قرار لبنان السياسي والعسكري.
ولم تستبعد مصادر نيابية ان يسحب الرئيس برّي مبادرته إعلامياً، ويذهب إلى مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كمخرج للحل، مشيرة إلى ان المبادرة انبثقت من رحم الرغبة لدى برّي لخرق جدار التأزم والنفاد عبره الى فجوة واسعة يمكن عبرها الوصول الى التسوية – الحل، غير ان طبخة الحل لم تنضج لتؤسس ارضية ثابتة للمبادرة تحولها من طموح الى واقع. وتلفت الى ان بري حصّن مبادرته بما يلزم ، حتى انه اقترح على القوى السياسية عند الوصول الى اتفاق على قانون الانتخاب ان تتعهد خطّيا ولدى كاتب عدل، بانتخاب رئيس جمهورية فور انتهاء الانتخابات النيابية وعقد جلسة انتخاب رئيس للبرلمان وتشكيل هيئة مكتب المجلس، لكنه اصطدم بلا مبالاة من بعض القوى او بالأحرى بانتفاء رغبتها في الحل راهنا فانكفأ، ولم تعد المبادرة موضع نقاش ولو في لقاء الاربعاء النيابي حيث لم يعد بري نفسه يأتي على ذكرها بعدما لمس غياب الحماسة لأي حل.