الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب للمرّة السادسة على التوالي، منذ العام 1992، وفي هذه كلها اتخذ دولته خطوات أثارت الكثير من الجدال، وربّـما نتجت عنها خلافات حادّة أحياناً… إلاّ أنّ الحقيقة تقتضي القول إنّ ابا مصطفى شخصية وطنية فذّة ذات أبعاد داخلية وإقليمية، ولقد عرف كيف يقود المسيرة النيابية في لبنان الى شاطئ الأمان بالرغم ممّا حفلت به السنوات الست والعشرون الماضية من أحداث وتطوّرات على قدر كبير من الدقة وكذلك من الخطورة في أحيان كثيرة.
صحيح أنّ الرئيس نبيه بري هو فريق في البلد، إن حلفه الثابت مع “حزب الله” واضح للعيان والطرفان يلتزمان به، وصحيح أيضاً أنّ الرئيس نبيه بري ركن من أركان فريق 8 آذار الذي تقوم بينه وبين أطراف أخرى خصومات كبيرة وخلافات عميقة، وصحيح كذلك أنه اتخذ موقفاً معارضاً من ترشح الجنرال ميشال عون لرئاسة الجمهورية… ولكن الصحيح أيضاً أنّه عرف دائماً كيف تكون خلافاته وخصوماته سياسية بامتياز منذ أن آلت إليه مقاليد رئاسة المجلس.
ولقد يُسجّل لرئيس حركة “أمل” أنه زعيم وطني على نطاق واسع، وأنّه لم يتخلّ يوماً عن الدفاع العنيد عن مقوّمات الوطن، وعن الوحدة الوطنية التي يعتبر واحداً من أبرز العاملين على صيانتها، وفي هذا السياق تشهد له مواقف كثيرة يتعذّر تعدادها، ونكتفي بتكرار الإشارة الى اثنين منها لهما في تقديرنا، أهمية قصوى:
الموقف الأول عندما أقام طاولة الحوار الوطني بين مختلف أطياف النسيج الوطني اللبناني فيما كان لبنان يعاني فراغاً رئاسياً قاتلاً، فجمع الأقطاب ورؤساء الأحزاب حول طاولة واحدة… صحيح انهم لم يحققوا إنجازات بالمعنى المباشر للكلمة، ولكنهم حققوا لقاءً هو في حد ذاته إنجاز في وقت كانت تكفي دعسة ناقصة واحدة أو خطوة خاطئة واحدة لتشعل فتيلاً جاهزاً ليشتعل ويشعل ناراً قد يتعذّر تقدير مخاطرها سلفاً.
والموقف الثاني هو إقامته، في مقر الرئاسة الثانية، طاولة للحوار بين الثناتئي الشهير الذي استمر سنوات بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، هذا الحوار الذي حقق هدفاً ثميناً جداً وهو أنه نقل الفتنة السنّية – الشيعية من الشارع الى الطاولة، وإذا لم يحقق هذا الحوار أي أمر آخر فيكفيه هذا الإنجاز.
باختصار فإنّ الرئيس نبيه بري هو شخصية استثنائية، ويكفي أن يكون عميداً لرؤساء مجالس الأمة والمجالس النيابية في العالم قاطبة ليكون حالاً استثنائية، فمهما كانت “الأسباب الموجبة” فإنّه يتعذّر أن يستمر أي شخص أو قيادي في مركز رسمي كبير طوال ربع قرن ونيف إن لم تكن شخصيته زاخرة بمزايا ومقوّمات ليست في متناول الآخرين.
عوني الكعكي