Site icon IMLebanon

برّي المختلف عن الحليف وحليف الحليف

انطوى موقف الرئيس نبيه بري من الازمة الحكومية على اكثر من دلالة. وضع نفسه في موقع الفريق المختلف عن الحليف، وحليف الحليف. اكثر اصرارا على الوقوف الى جانب الرئيس تمام سلام وحكومته، والتمسك باستمرار عملها

قد لا يكون من باب المفارقة، ولا حتما المصادفة، ان الرئيس نبيه بري لم يتحمس قبل اكثر من سنة، على اثر شغور رئاسة الجمهورية، للمرونة التي ابداها الرئيس تمام سلام في تعاطيه مع الواقع المستجد على حكومته، ورغبته في احاطة عمل مجلس الوزراء بالتوافق المسبق. لم يتحمس كذلك ــــ ولا يزال ــــ لاقتراح سلام آنذاك توقيع الوزراء الـ24 مراسيم اصدار القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء، وكان السبّاق الى تمييز مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء مجتمعا عن مرسوم يكتفي بتوقيع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزير المختص او الوزراء المختصين. الاول لا يرتب حاجة الى اصابع الوزراء الـ24، في حين ان الثاني يحتمها كونهم جميعا ــــ لا فرداى ــــ يتولون صلاحيات رئيس الدولة.

في ما بعد، على اثر اعتكاف سلام عن دعوة مجلس الوزراء الى الاجتماع قبل اشهر احتجاجا على وزراء غلبوا تواقيعهم على انعقاد المجلس، لم يتردد رئيس البرلمان في القول انه كان على حق في النصيحة التي اسداها الى رئيس الحكومة غداة الشغور الرئاسي: تمييز بين المراسيم، وفصل بين التواقيع.

مع ذلك، راقب بري مسار حكومة سلام. وعلى قلة اجتماعاتهما الدورية، تصرّف على انه داعم اساسي لها، مرتاح الى الاسلوب الذي يتبعه رئيسها في ادارة الجلسات ومرونته وصبره على وزراء بينهم مَن بات يعدّ نفسه اكثر من وزير، وربما اكثر من رئيس، وقد يكون بينهم مَن لم يصدق حتى الآن من فرط غطرسته انه وزير في حكومة ما بعد شغور الرئاسة الاولى.

ليس من باب المفارقة، ولا حتما المصادفة، ان رئيس المجلس يجد نفسه ــــ وليست المرة الاولى ــــ في موقع المختلف عن حلفائه في قوى 8 آذار، عن الحليف التوأم حزب الله وحليف الحليف الرئيس ميشال عون. لم يجار مقاطعة نواب عون والحزب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب، وتحفظ اخيرا عن تلويح الطرفين بتعطيل جلسات مجلس الوزراء. اضف ان بري يحتفظ باستمرار بأكثر من حجة تجعله يشكك في صدقية علاقته بالتيار الوطني الحر: مرة عندما وعده عون بحضور جلسة تمديد ولاية مجلس النواب السنة الماضية والتصويت ضد اقتراح القانون ثم اخلّ، واخرى عندما وعده بحضور جلسات تشريع الضرورة في الهيئة العامة للمجلس ثم اخلّ ايضا. وقد تكون بين الرجلين ملفات تبدأ بالنفط والكهرباء ولا تنتهي بقانون الانتخاب.

وسواء عُدّ موقفه توزّع ادوار بينه وحزب الله او مقاربة مختلفة، ظهر بري اكثر وضوحا في تعاطيه مع التعيينات الامنية واخصها تعيين قائد جديد للجيش. ينادي بالتعيين خيارا اول، الا انه يتمسك بتأجيل التسريح عند تعذره.

لم يكن موقف حزب الله بالوضوح نفسه، وبدا انه يغلّب تأييده عون في كلّ ما يلحّ عليه على ما عداه، بما فيه موقفه من القائد الحالي العماد جان قهوجي وتأجيل تسريحه. قبل اقل من سنتين، لم يتزحزح الحزب عن دعم تأجيل التسريح الاول لقهوجي رغم معارضة رئيس تكتل التغيير والاصلاح، وحار في بسط الحجج امامه لاقناعه بملاقاته بتأييد تأجيل التسريح الى مرحلة موقتة، في حمأة انخراط الحزب في الحرب السورية وحاجته الملحة الى ظهير يحميه من داخل الحدود. بيد انه لم يوفق. اليوم تجاوز الحزب الخوض في ذرائع 2013، وصعد الى اعلى السطح الذي يقف عليه عون: لا قرار يصدر عن مجلس الوزراء ما لم يكن الاول تعيين قائد للجيش وسائر التعيينات الامنية والعسكرية. تبعا لذلك، انضم تيار المردة وحزب الطاشناق الى هذا الموقف، الا ان رئيس البرلمان نأى بنفسه عنه.

في الساعات المنصرمة، قال بري امام زواره انه يؤيد رئيس الحكومة في ترويه، وكان اول مَن نصحه به عندما خابره سلام على اثر عودته من السعودية قبل اسبوعين، بغية استيعاب الموقف المتشنج لعون وتلويحه بشل اعمال مجلس الوزراء.

اعاد رئيس المجلس تأكيد تأييده تروي سلام «لاسبوعين او ثلاثة في عزّ شهر رمضان حتى، لكن ليس الى ما شاء الله. على الرئيس سلام بعدئذ ان يدعو الى جلسة لمجلس الوزراء وهي صلاحيته الدستورية، وهو المعني حصرا بوضع جدول الاعمال وليس سواه. في ظل رئيس الجمهورية يطلعه عليه ويتفاهمان حياله، لكنه هو صاحب صلاحية وضعه. في غياب الرئيس يطلع عليه مجلس الوزراء وقد انتقلت اليه مجتمعا صلاحيات رئيس الجمهورية. الا ان ذلك لا يعني ابدا ان صلاحيات الرئيس انتقلت الى كل وزير منفردا او على حدة، بل الى مجلس الوزراء مجتمعا. وعملا بنظام مجلس الوزراء والتصويت فيه تبعا للاكثريات المطلوبة والمحددة، يقرر المجلس موقفه من بنود جدول الاعمال. كل مجلس الوزراء وليس هذا الوزير او ذاك».

يضيف بري: «في جلسة الهيئة العامة يحق لي كرئيس للمجلس طرح اقتراح قانون معجل مكرر من خارج جدول الاعمال الذي تكون قد اعدّته هيئة مكتب المجلس، الا انه لا يسعني ان افرض على الهيئة العامة هذا البند، وعليها ان تقرر هي المضي في الاقتراح ومناقشته او اسقاطه او طلب احالته على اللجان النيابية. في مجلس الوزراء ايضا يمكن طرح بند من خارج جدول الاعمال، لكن في نهاية المطاف مجلس الوزراء مجتمعا ــــ الذي هو هيئة رئيس الجمهورية ــــ يقرر الموقف من هذا البند توافقا او تصويتا او طلب شطبه».

يبدو رئيس المجلس قاطعا في موقفه من الحملة المضادة على الحكومة: «لا مشكلة دستورية في حكومة الرئيس سلام. الثلثان متوافران. النصف +1 متوافر. الميثاقية على اكثر من جبهة متوافرة. آلية عمل المجلس متوافرة. صلاحيات رئيس مجلس الوزراء متوافرة ايضا. لذلك طلبت من وزيري حركة امل حضور اي جلسة يدعو اليها الرئيس سلام. ومن الضروري ان يفعل كي لا تصبح حال الحكومة كحال مجلس النواب».

ذات مرة قال بري، ممتعضا من الاصرار على ابقاء البرلمان موصد الابواب: «اشعر كأنني مطران على مكة».