Site icon IMLebanon

برّي يخوض معركة ما بعد الانتخابات في عزّ الفوضى السياسية!

برّي يخوض معركة ما بعد الانتخابات في عزّ الفوضى السياسية!

تشكيك متزايد في إجرائها… ومناورة «عين التينة» لا تتجاوز الخطوط الحمر

 

تكريس ثنائية مسيحية دونه عقبات.. وتحالف «الثنائي الشيعي» محسوم ونهائي

 

كلما أكّدت أطراف الحكم على حتمية الانتخابات النيابية في أيار المقبل، كلما تعززت الشكوك لدى المراقبين. إذ ما هو الداعي لتأكيد المؤكد إذا لم يكن تأجيل الاستحقاق  بات على طاولة البحث في مكان ما؟ وما يعزز الشكوك، بدء التراشق الكلامي بين الأخصام، على قاعدة اتهام كل طرف للآخر بالعمل على تطيير الانتخابات. هو «السيناريو» نفسه الذي اعتمِدَ في المرّات السابقة لتبرير التمديد، والذي يخشى كثيرون استنساخه اليوم قبل نحو ثلاثة أشهر من الموعد المقرّر للانتخابات، والتي ستشمل المغتربين والمقيمين.

وإذا كان الانطباع السائد بأن ضيق الوقت أطاح بالإصلاحات التي أقرّت في قانون الانتخاب من دون التأثير على إتمام الاستحقاق، نظراً إلى أن مسألة إجراء الانتخابات هي المسألة المهمة والأساسية، والمطلوب دولياً تحقيقها بمعزل عن العوائق التقنية، فإن هذا الانطباع بدأ يتلاشى مع حجم الاشتباك السياسي في البلاد, والذي يختلف عن طبيعة الاشتباك الذي كان يحصل قبيل الانتخابات السابقة على وقع الانقسام الداخلي بين قوى 8 و14 آذار، ويشغل جزءاً من التعبئة السياسية والشعبية ومن عدّة «الشغل» الانتخابية، ذلك أن التحالفات الانتخابية آنذاك كانت محسومة الاتجاهات وواضحة المعالم، إذ كانت تتحكم بها العناوين السياسية الكبرى ربطاً بما يجري في المنطقة.

المأزق اليوم أشد وطأة. فالعناوين السياسية الكبيرة تغيب عن معارك الأفرقاء، ولن تُستخدم للتأجيج والتعبئة. فخصوم الأمس أضحوا حلفاء اليوم، وتداخلت العلاقات وتشابكت المصالح بما يجعل انتخابات 2018 تجربة جديدة بكليتها، وعملية اختبارية للجميع، بفعل أن لبنان لم يسبق له أن خاض انتخابات على أساس النسبية من قبل.

كان الكلام يدور حول تحالف خماسي بين أركان الحكم لضمان مواقعهم، ولمواجهة حالات اعتراضية بدأت تُشكّل حيزاً لها في السياسة وفي المجتمع المدني. التحالف الجاري الحديث عنه كان يستبعد «القوات اللبنانية» الشريكة في الحكم لكل من «الثنائي الشيعي» و«التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» ووليد جنبلاط، والتي كانت شراكتها مع «التيار العوني» تقوم على الرغبة في تشكيل «ثنائية مسيحية»، على غرار النموذج الشيعي، الذي يقوم على مبدأ إقصاء كل المستقلين والعائلات والبيوتات السياسية، وإحكام السيطرة على القرار السياسي للطائفة. فنجاح «الثنائية الشيعية» في اختزال طائفتها وإطباقها عليها حوّلها  إلى نموذج يُحتذى به.

الفارق أن «الثنائية الشيعية» تحمل مشروعاً واحداً لا يختلف في أبعاده السياسية. مشروع ابن بيئته، قد يتمايز في البعد الاستراتيجي، إنما ليس إلى درجة الخلاف حول الرؤى بالمعنى العميق، ما دام الفريقان ينتميان إلى نفس المحور استراتيجياً. فأن تكون ملتصقاً بسوريا أكثر، أو بإيران أكثر، لا يشكل راهناً كبير أهمية، فيما يشهد البُعد المصلحي للطائفة، ضمن تركيبة الحكم، توافقاً تاماً، لا مكان فيه للتمايز أو الاختلاف.

أما تكريس واقع «الثنائية المسيحية»، فأظهرت التجربة أن دونه عقبات. أولها أن «التيار العوني» و«القوات» لا ينطلقان من المرتكزات الاستراتيجية ذاتها. فلكل منهما نظرته الاستراتيجية المختلفة عن الآخر، وهذا برز بشكل جليّ في ملفات علاقة الحكم مع المملكة العربية السعودية، وتطبيع العلاقات مع النظام السوري،  وسلاح «حزب الله» والعقوبات عليه، وغيرها من الملفات. وثانيها، أن المصلحة التي آلت إلى الشراكة مع ترشيح رئيس «القوات» لخصمه ميشال عون قد انتهت مع وصول عون، لا بل إن طموحات صهره جبران باسيل في تولي سدّة الرئاسة، بعد عمّه، هي عنصر تفجيري للعلاقة، انطلاقاً من قناعة معراب بأحقية سمير جعجع في خوض المعركة الرئاسية مستقبلاً بعد الجنرال. وثالثها، أن وَهْمََ استعادة حقوق المسيحيين من خلال «وحدة الثنائية» تلاشى مع اكتشاف حجم التحوّلات الداخلية في البلاد،  ومخاطر اللعب على وتر العلاقات المسيحية – الإسلامية بما يمحي ذاكرة الحرب الأهلية وما رافقها من ندوب.

ما هو مُؤكّد، وفق أوساط لصيقة بـ«الثنائي الشيعي»، أن التحالف بين «حزب الله» و«حركة أمل» مسألة محسومة ومنتهية، وغير قابلة لأي تبدّل أو تغيير مهما كان عليه المشهد الداخلي. فهو «تحالف مقدّس» بالمعايير الاستراتيجية والمصلحية. ووصل إليه الطرفان بعد نقاشات مستفيضة عقب القانون الجديد، الذي قضى بالنظام النسبي بديلاً عن الأكثري. كان البحث يتناول إمكان  ترؤس الطرفين للوائح بنظرية «القفل ومفتاحه»، على قاعدة تحالفية لا تخاصمية، فيحصدون المقاعد التي تصب في نهاية المطاف في سلة واحدة، غير أنهما لم يأتمنا حساب النتائج، فقررا التحالف في لوائح موحدة، والعمل على تحفيز التصويت من أجل رفع الحاصل الانتخابي بما يطيح باللوائح المنافسة.

لكن تلك الأوساط، اللصيقة بـ«الثنائية الشيعية» تضع المعركة التي يخوضها رئيس مجلس النواب نبيه بري في إطار معركة خلط الأوراق في التحالفات السياسية، على أن لا ينعكس ذلك على تحالفه مع «حزب الله». وهنا تبرز المعضلة التي تصل إلى حد التناقض. فحتمية ونهائية تحالف «الثنائي الشيعي» في لوائح واحدة يستوجب حداً أدنى من التنسيق بين أركان اللائحة التي يُفترض أن تضم في مناطق عدة «التيار الوطني الحر»، فكيف سيتم ضمان ذلك في ظل استعار المواجهة بين الرئاستين الأولى والثانية، وعودة ملامح «حرب التحرير» و«حرب الإلغاء» الراسخة في القاموس العوني، وإن كان الحديث ينحصر بحروب كلامية سياسية، لا عسكرية.

هذا التناقض يدفع بكثيرين إلى الاعتقاد بأن بري يخوض «معركة تكتيكية» في وجه الخصم اللدود، حيث تغيب الكيمياء ويغيب الوئام بينه وبين عون وصهره، ويتشدّد في وجه سعد الحريري، حيث ينقل زوار الرئاسة الثانية كلاماً، يُقال في مجالسها، عن أن الرجل لا ينفك عن «النكث بالوعود» وإدارة الظهر لساكن «عين التينة» كلما عبر الحريري مساحة الأزمات. والهدف من معركة برّي يتجاوز لعبة تحسين الشروط  قبل الانتخابات وبعدها، إلى الدفاع الفعلي عن موقعه ودوره في المعادلة السياسية، وسط الخشية من محاولات إضعاف تستهدفه، يمكن أن تصل في وقت من الأوقات إلى معركة إلغاء وإقصاء عن موقع الرئاسة الثانية، والتي تدور في خلد العونيين. على أن التلويح بالقدرة على صوغ تحالفات مع قوى أخرى لا  يتعدى، في رأي عارفين ببواطن العلاقة بين «الثنائي الشيعي»، كونه مناورة قد يذهب فيها إلى الحدود القصوى، لكن لا يمكنه أن يتجاوز بها الخطوط الحمر.

بعض المتابعين لمجريات الانتخابات يصف الواقع الحالي بالـ«فوضى السياسية»، حيث أن كل ملف يترك تداعياته على الملف الآخر، على الرغم من محاولات القيّمين على «التسوية الرئاسية» تحييد عمل الحكومة عن «الكباش الحاصل»، وتجنّب الانفجار داخل مجلس الوزراء، لكنها محاولات ستكون معرضة للاهتزاز، وإن سكنت لبعض الوقت. وتتجلى حالة الاهتزاز في اجتماعات اللجنة الوزارية المكلفة متابعة تنفيذ قانون الانتخاب، والتي أظهر مسار الأمور داخلها أنها تصطدم بكثير من النقاط التفصيلية، غير تلك التقنية المتعلقة بالبطاقة الممغنطة و«الميغاسنتر»، التي تمّ ترحيلها إليها يوم إقرار القانون تحت ضغط الوقت.

فبين المزاج السياسي السلبي الذي يعتري كثيراً من الأطراف حيال الاستحقاق الانتخابي المبهم بتفاصيله، والذين باتوا يستلحقون المهل المحددة فيه، وبين المواجهة المعلنة بين عون وبري، وبين الإرباك الحاصل لنسج تحالفات وما قد يواجه الحريري من ضغوطات حول اللوائح الموحدة مع «التيار الوطني الحر»، وبين «النقزة» مما قد تأتي به حصيلة الانتخابات لتكرّس الاختلال الحاصل وتضع البلاد دستوريا في قبضة «حزب الله» ومحور إيران، وبين موقف المملكة العربية السعودية التي لا تزال تراقب ولم تقل كلمتها  النهائية في كل ما يجري على الساحة اللبنانية منذ «إزمة الحريري»، فإن التشكيك بإمكان حصول الانتخابات في موعدها لا يأتي من فراغ، ولعل ما يجب رصده هو الحديث في الكواليس عن احتمال تأجيل الاستحقاق إلى أيلول 2018!