من إنقسام بين قوى «8 آذار» من جهة وقوى «14 آذار» من جهة أخرى، يتّجه لبنان نحو إنقسام جديد يُذكّر بأيّام الحرب، ويتمثّل بإنقسام طائفي مسيحي ؟ إسلامي! وهذا الإنقسام سيتجسّد بشكل واضح أمام الجميع في حال بقاء المواقف من الجلسة التشريعيّة المُرتقبة لمجلس النوّاب على ما هي عليه حالياً.
وعن هذا الموضوع أوضحت مصادر سياسيّة مُطلعة أنّ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الذي كان قد حزم أمره بوُجوب عقد جلسة تشريعيّة في المُستقبل القريب، وترأس إجتماعاً تمهيدياً لهذا الغرض لهيئة مكتب المجلس، أعطى أخيراً «الضوء الأخضر» لأن تكون جلسة هيئة المجلس المقبلة الأخيرة لحسم البنود التي ستُدرج في جدول أعمال الجلسة التشريعيّة، ليُصار بعدها إلى إعادة فتح باب مجلس النوّاب أمام التشريع في المُستقبل القريب. وأضافت أنّ برّي يعتبر أنّه لا يُوجد أيّ مبرّر لأي جهة لمقاطعة الجلسة التشريعيّة المُقبلة، لأنّها ستبحث وتقرّ أموراً مالية وإقتصادية وإجتماعيّة تهمّ الطبقات الشعبيّة، وتطال مُوظّفي القطاع الرسمي، وتواكب مُتطلّبات المجتمع الدَولي الذي يضغط كثيراً على الدولة اللبنانيّة ويُمرّر تهديدات وتحذيرات عدّة بشأن سمعة لبنان وإستقراره المالي والإقتصادي. وأشارت المصادر نفسها إلى أنّ برّي أعطى توجيهاته بإدراج مشروع قانون إستعادة الجنسيّة في جدول الأعمال، لكنّه رفض إدراج بند مناقشة مسألة قانون الإنتخابات النيابيّة بحجّة عدم وجود أيّ توافق بين القوى السياسيّة المختلفة على أيّ قانون، وبسبب عدم التوصّل إلى قانون واحد جاهز للمناقشة، وخُصوصاً بسبب الخوف من إضاعة الوقت في هذا البند في ظلّ الخلافات المُستحكمة، والتسبّب بالتالي بتطيير الجلسة التشريعيّة بدون أيّ نتيجة تُذكر على مستوى المواضيع التي تُسيّر شؤون الدولة والمواطنين. وتابعت المصادر نفسها أنّ برّي يعتبر أنّه لاقى الأحزاب المسيحيّة في منتصف الطريق بمجرّد أنّه أدرج مشروع قانون إستعادة الجنسيّة في جدول أعمال الجلسة التشريعيّة، علماً أنّ هذا الموضوع غير ملحّ وعالق منذ عقود.
ولفتت المصادر السياسيّة المُطلعة نفسها إلى أنّ حماسة برّي لعقد جلسة تشريعيّة من دون قانون الإنتخابات النيابية، تُقابلها مُعارضة مسيحيّة قويّة، ما يُهدّد ميثاقيّة الجلسة بشكل خطير. وأوضحت أنّ موقف حزب «الكتائب اللبنانيّة» من الجلسة التشريعية محسوم سلفاً بالمقاطعة إنطلاقاً ممّا ينصّ عليه الدستور اللبناني لجهة تحوّل المجلس النيابي حُكماً إلى هيئة ناخبة حتى إنجاز إستحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، حيث لا يحقّ للمجلس مُناقشة أيّ بند آخر قبل ذلك. وموقف «الكتائب» مؤيّد من قبل بعض النوّاب المسيحيّين المُستقلّين، ما سيرفع عدد المقاطعين للجلسة التشريعيّة أكثر فأكثر. وأضافت المصار نفسها إلى أنّ الإجتماعات السابقة وكذلك تلك التي عُقدت في الأيّام القليلة الماضية بين ممثّلي «التيار الوطني الحُرّ» وحزب «القوّات اللبنانيّة» أفضت إلى توافق على عدم حُضور أيّ جلسة تشريعيّة لا تتضمّن بندي إستعادة الجنسيّة لمُستحقّيها وقانون الإنتخابات النيابيّة، مع تسجيل موقف أكثر تشدّداً لحزب «القوات» من «التيّار» في هذا الخصوص.
وتابعت المصادر السياسيّة المُطلعة أنّ موقف «التيّار» مُتشدّد في هذا الصدد، كون العماد ميشال عون يعتبر أن لا مجال لإعادة إنتاج الحياة السياسيّة وفق توازنات جديدة في لبنان إلا عبر إجراء إنتخابات نيابية وفق قانون جديد يعتمد مبدأ النسبيّة، وذلك في أقرب فرصة ممكنة. ويعتبر «الجنرال» أنّ هذا الطريق هو الوحيد الذي يُبقي فرصه بالوصول إلى منصب الرئاسة قائمة بقوّة. وأضافت هذه المصادر أنّ موقف «القوّات» المتُشدّد جداً من الموضوع، ينطلق بدوره من رغبة الدكتور سمير جعجع في العودة إلى الحياة السياسيّة الداخليّة الفاعلة، بعد أن قاطع جلسات الحوار السابقة والحالية لعدم جدواها، وبعد أن رفض المُشاركة في الحكومة إنطلاقاً من عدم تبنّيها لمواقف مُتشدّدة من سلاح «حزب الله». وأضافت أنّ جعجع يعتبر أنّ التمثيل «القوّاتي» في المجلس النيابي الحالي لا يعكس حجم شعبيّة «القوات» الفعلي على مساحة الوطن، ويريد إجراء إنتخابات نيابيّة جديدة للعودة بكتلة نيابيّة أكبر إلى المجلس، وبالتالي بقوّة سياسيّة أكثر تأثيراً، بشكل يُعطي «القوّات» موقعاً أشدّ فاعليّة في الحياة السياسيّة اللبنانيّة عُموماً.
ورأت المصادر السياسيّة المُطلعة نفسها أنّ التخوّف كبير من أن يؤدّي إصرار الرئيس برّي على عقد جلسة تشريعيّة من دون قانون للإنتخابات، في مقابل إصرار القوى والأحزاب المسيحيّة الأساسيّة على مُقاطعتها، إلى تجاوز الدور المسيحي مرّة جديدة، بشكل يفوق مسألة الميثاقية ويصل إلى حدود ضرب الشراكة الوطنيّة والتسبّب بمزيد من الضعف للوضع المسيحي الذي يُعاني أساساً من غياب رئيس الجمهوريّة الماروني، ومن عدم القدرة على إيصال 64 نائباً بأصوات مسيحيّة، ومن إنقسام سياسي عامودي لم تنفع لا الإتفاقات الثانويّة المحدودة ولا النوايا الحسنة في معالجته! وإستغربت المصادر عينها كيف أنّ «تيّار المُستقبل» مُطمئن إلى أنّ لا إمرار لمسألة «سلسلة الرتب والرتب» دون موافقته، ما يعني بالإستنتاج أنّ برّي كان حريصاً على عدم إغضاب «المُستقبل» وعلى حثّه على حُضور الجلسة التشريعيّة عبر الإستجابة لمطالبه، بينما لم يفعل الأمر نفسه مع القوى المسيحيّة الأساسيّة كافة! وختمت هذه المصادر بالقول إنّ «التيّار الوطني الحُرّ» يتعرّض لضغوط كبيرة من حلفائه لإقناعه بالمشاركة، لإنجاح الجلسة ولسحب فتيل الإنقسام الطائفي، وسألت: هل تنجح هذه الضغوط؟