برّي يحاول بشِقِّ النفس إحداث خرق في الإستحقاقات لتجنّب المحظور
نوافد الخارج مغلقة تجاه الملف اللبناني والأولوية تُعطى لأزمات المنطقة
وضع رئيس مجلس النواب نبيه برّي عنواناً عريضاً لثلاثية الحوار هو «خطورة الوضع.. والفرصة الأخيرة» في محاولة منه لحمل أهل الحوار التعاطي مع البنود الحوارية في صورة مختلفة عن الجولات السابقة بحيث يؤخذ هذا التحذير بعين الاعتبار ويصرف في إطار تهدئة الأمور وتقريب المسافات، وتقديم ما أمكن من تنازلات في سبيل الوصول إلى تسوية داخلية تُنهي الوضع المأزوم، بعد أن تيقّن الجميع بأن الخارج مغلق نوافذه بإحكام على الملف اللبناني وهو متفرّغ لأولويات أخرى تتعلق بأزمات المنطقة من سوريا إلى العراق فاليمن.
ولا شك أن الرئيس برّي جاد في تحذيره الذي هو بالنسبة لديه الخرطوشة الأخيرة التي يمكن أن يستعملها بعد نفاد كل الطروحات والأفكار التي لم توصل الى نتيجة على مدى عامين ونيف، غير أنه في ما يبدو فإن أقطاب الحوار يتعاطون مع هذا التحذير بنوع من عدم الجدّية والدلالة على ذلك بأن أحداً منهم لم يُبدِ أي نوع من التجاوب المؤدي إلى الإزاحة ولو قيد أنملة عن مواقفه المتصلّبة تجاه الملفات المطروحة إن على صعيد الانتخابات الرئاسية أو قانون الانتخاب، وهو ما يدعو إلى الخوف من أن تكون رحلة طاولة الحوار اليوم وغداً شاقة ومزروعة بالأشواك بدلاً من الرياحين وبالتالي تضيع على المسؤولين فرصة الوصول إلى حل من صناعة لبنانية يضع حداً للأزمة السياسية التي طال أمدها ولا يرى القريب والبعيد أي مبرر لها، خصوصاً وأن الموفدين الدوليين الذين زاروا لبنان طيلة الأشهر السابقة أجمعوا على دعوة اللبنانيين إلى حل خلافاتهم الداخلية بأنفسهم في إشارة واضحة على أن الاعتماد على الخارج لن يُجدي نفعاً لا بل أنه يُطيل عمر الأزمة، لأن الأزمات المفتوحة في المنطقة هي بالنسبة للدول الإقليمية والدولية المعنية بالملف اللبناني تتقدّم بأشواط على مسألة الرئاسة في لبنان، وأن الأولوية يجب أن تُعطى لها ما دام باستطاعة لبنان أن يبقى لفترة إضافية على رصيف الإنتظار.
وفي تقدير أوساط متابعة أنه ما دام كل فريق يقف على سلاحه، وما دامت المواقف داخل طاولة الحوار هي ذاتها التي تُطلق في الإعلام وعلى المنابر فإنه من العبث التفتيش عن مساحة مشتركة بين هذه الأطراف تكون منطلقاً للتوافق على الاستحقاقات المطروحة.
وكان واضحاً بحسب هذه الأوساط المنسوب المرتفع بين أكبر قوتين سياسيتين في البلد هما «حزب الله» و«المستقبل» من خلال المواقف المتشنجة التي أُطلقت في الجولة الأولى من ثلاثية الحوار، وتبيّن أن ما يصدر عن الحوار الثنائي بين هذين الطرفين لا يعدو مجرّد جرعات «أوكسجين» يتفق الجانبين على ضخّها في سبيل احتواء احتقان الشارع والحؤول دون انفلات الأمور على غاربها.
وإذا كان الخلاف بين القوى السياسية ما زال قائماً حول من يتقدّم على من إنتخاب الرئيس أم قانون الانتخاب، فإن ما حصل على طاولة الحوار عكس بشكل واضح أن لا حظوظ للنسبية، وأن ما يُقال في العلن شيء وما يُناقش في الغرف المغلقة شيء آخر، وهو ما يعني أن هذا البند على جدول أعمال الحوار كافٍ في حال لم يتم التوافق عليه وهذا أمر وارد، كفيل بتفريغ الحوار من مضمونه وبالتالي نعود إلى المربع الأول والدوران في حلقة مفرغة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وقد عكس هذه المخاوف أحد المتحاورين الذي استبعد الوصول على مدى الثلاثة أيام إلى نتائج إيجابية ونهائية حول ما هو مطروح وبالتالي سيكون ذلك كافياً لتقلّب مزاج الرأي العام ضد هذه الطبقة السياسية.
وفي رأي الأوساط المراقبة أن الرئيس برّي سيحاول الاستفادة من مسار النقاش الذي حصل وجوجلته واستخراج صيغة لحل لما هو مطروح وحكماً سيقدّم ذلك على طاولة الحوار اليوم أو ربما غداً على قاعدة اللهم إني بلّغت، وهو سيصارح الجميع بعواقب استمرار حالة التشنج والخلافات من منطلق أن الحريق الملتهب في المنطقة لن يبقى طويلاً بعيداً عن الثوب اللبناني، وأن مخاطر هذا الحريق ستكون أكلافه باهظة على لبنان الذي يُعاني من فراغ سياسي وتردٍ اقتصادي وهشاشة في الوضع الأمني، ناهيك عن القنبلة الموقوتة التي إسمها النازحين السوريين والخلايا الإرهابية النائمة التي قد تستيقظ مستفيدة من الأرض الخصبة التي يوفّرها استمرار الخلاف.