في الجولة الأولى من الحوار الوطني، برّر الرئيس نبيه بري انعقادها بالقول: لو كنا متفقين لما احتجنا الى حوار. التقى اليه المتباعدون المتنافضون وادلى كل بدلوه كما لو انه لا يزال في جزيرته. مع ذلك فهو ملح
في شق من مداولات طاولة الحوار الوطني في مجلس النواب الأربعاء، سجال دار بين الرئيسين نبيه بري وميشال عون تناول ما دأب تكتل التغيير والاصلاح على طرحه في معرض رفضه التمديدين المتتاليين للبرلمان عامي 2013 و2014، هو الفارق بين «الشرعي» و»القانوني». أصر التكتل على الطعن في شرعية مجلس نيابي ممدد له، وقال رئيسه إنه لا يعترف به من دون تخليه عن قبول انتخابه رئيساً للجمهورية في مجلس يصفه بـ»غير شرعي».
استخدم اذ ذاك التمييز بين ما هو شرعي في البرلمان وما هو قانوني، كي يؤكد تشبثه بالطعن بالقول إن المجلس غير شرعي لأنه أخلّ بقاعدة دورية الانتخابات النيابية وتجاوز أحكام الدستور والوكالة الشعبية المحددة بأربع سنوات، لكنه قانوني بقوة الاستمرار تفادياً للشغور.
أعاد عون طرح هذا الموقف على طاولة الحوار في معرض مقاربته انتخاب رئيس الجمهورية وإعادة ترتيبه أولويات الاستحقاقات، بحيث تتقدم الإنتخابات النيابية إنتخاب الرئيس ما لم يصر الى انتخابه من الشعب مباشرة.
كان ردّ رئيس المجلس أن تمييزاً على هذا النحو بين الشرعي والقانوني فات أوانه منذ زمن طويل. قال: ليس ثمة ما هو شرعي أو قانوني في المجلس الحالي الذي هو شرعي وقانوني في آن واحد. هذا التفريق لم يعد جائزاً منذ آخر مرة في أيام الماريشال (فيليب) بيتان إبان حكومة فيتشي في فرنسا في الحرب، عندما قيل إن حكومته غير شرعية لكنها قانونية. مجلس النواب شرعي وقانوني. أبدي هذه الملاحظة كي لا يقال إن الموضوع طرح وسمحت بإمراره بلا أي تعقيب أو توضيح.
اضاف بري: لم يعد الشرعي والقانوني ماشياً اليوم في السياسة. طبعاً لك رأيك ورأيي مختلف عنك.
مدّدت لمجلس النواب عن اقتناع. لو تكررت الظروف لفعلت الأمر نفسه، لأن هناك مكوّناً رئيسياً في البلاد هدّد بمقاطعة الانتخابات النيابية اذا أُجريت، ما يجعلها غير ميثاقية. قبل تمديد 2013 كنت فائزاً في الانتخابات عن دائرتي لأربع سنوات، لا لسنة ونصف سنة فقط كما أملاه التمديد الأول للمجلس بأعضائه جميعاً. كنت فائزاً سلفاً، لكنني آثرت تمديد الولاية مرتين.
أكثر من مرة تذكّر رئيس المجلس على أثر اندلاع أزمة حكومة الرئيس تمام سلام وانقطاعها عن الإجتماع منذ 9 تموز حتى الأربعاء الماضي، عندما تمكنت من اتخاذ قرار. تذكّر أن البلاد شهدت أهوالاً أمنية وسياسية أخطر بكثير ممّا تمر به حكومة سلام في هذه الآونة، مع ذلك لم يتوقف عمل مجلس الوزراء: عام 1986 إبتكرت فكرة المراسيم الجوّالة خلال ولاية الرئيس أمين الجميّل عندما إنقسمت حكومة الرئيس رشيد كرامي، نصفها على نصفها الآخر. وبرغم تعذر إجتماعات مجلس الوزراء، راح الوزراء يمرّرون المراسيم في ما بينهم ذهاباً إلى كرامي ومنه إلى الجميّل ــ من غير أن يلتقيا ــ كي يوقعاها لتفادي شلّ المؤسسات والإدارات الرسمية وتعطيل مصالح الناس، بعد تحييدها عن الخلافات والإنقسام السياسي.
ثمة حال مماثلة يرويها بري، صدف أن عون كان في الطرف المقابل منها هي حقبة عامي 1988 و1989 بين حكومتي الرئيس سليم الحص (الذي خلف كرامي بعد إغتياله لسنتين خلتا) وعون. مفارقتان رافقتا تلك الحقبة كان عون وبري (وزيراً للعدل والموارد المائية والكهربائية) وجها لوجه في موقعين متناقضين:
أولاهما، إندلاع سجال عقيم تحت وطأة الإنقسام: قالت حكومة عون إنها شرعية وقانونية، وقالت حكومة الحص الحجة نفسه. إلا أن كلا منهما راحت تتهم الأخرى بافتقارها الى الشرعية والقانونية معاً.
حينذاك، من منفاه في باريس، كان العميد ريمون إده أول مَن أفتى بحال كل منهما ــ وهو الكثير التعلق بتاريخ فرنسا وتقاليدها وتراثها السياسي والثقافي وقوانينها ــ إذ وصف حكومة عون بـ»شرعية» لانبثاقها من مرسوم دستوري، وحكومة الحص بـ»قانونية» لارتباطها بأمر واقع هو تمثيلها النصف الآخر من اللبنانيين. فشاع هذا التشبيه بين هاتين الحكومتين. كلتاهما تستخدمه على طريقتها للطعن في الأخرى. إستعاره عون أخيراً وطبّقه على البرلمان المدّد لنفسه، إلا أن بري رفضه تماماً.
ثانيتهما، برغم إنقسام الحكومتين كانتا ــ عبر وسطاء بينهما ــ تتعاونان على نحو غير مباشر دونما أي تواصل. يقول بري: ما كانت تقرّه إحداهما ويرتبط بمصالح الناس، تسارع الأخرى إلى إصدار مرسوم مماثل في المضمون نفسه كي يحظى المرسومان، بلا أدنى التباس أو غموض، بالغطاء الشرعي والقانوني في آن واحد.
يضيف: هذا ما لا نعثر عليه في الحكومة الحالية، عندما تولي الخلاف السياسي أهمية تتقدّم مصالح الناس.