يبدي الرئيس نبيه بري شكوكا في نجاح جهود الرئيس تمام سلام لتغيير آلية عمل مجلس الوزراء، في ظل احكام المادة 62 التي تنيط صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء وكالة، ويلاحظ أن الوقت ربما أضحى متأخراً الآن
ليست المرة الأولى التي يسجّل فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري تحفظه عن آلية تصويت مجلس الوزراء على قراراته، واصداره المراسيم باسم رئيس الجمهورية، ووجد فيها أداة تعطيل من الداخل مشابهة لتعطيل دور البرلمان، عندما يمتلك فريق سلطة الفيتو. كانت لبري وجهة نظر أفصح عنها قبل أشهر لرئيس الحكومة تمام سلام، عندما زاره مستمزجاً رأيه في المرحلة التالية لشغور الرئاسة الأولى. عني سلام بالطريقة الملائمة لضمان تماسك السلطة الاجرائية واستمرار جلسات مجلس الوزراء، وانجازه أعماله تحت وطأة انقسامات حادة بين الافرقاء الذين يشكلون حكومته.
حينذاك، بعيد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار 2014 وانتقال صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء وكالة، لم يكن أمام سلام سوى اللجوء الى السابقة ـ الأولى بعد اتفاق الطائف ـ وهي آلية عمل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة على اثر انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود، ودخول البلاد شغوراً دام ستة أشهر.
برزت قوة حكومة السنيورة وقتذاك، بعد اعتكاف الوزراء الشيعة في كانون الاول 2005 ثم بعد استقالتهم ووزير أرثوذكسي في كانون الاول 2006، في تحوّلها حكومة الفريق الواحد المتجانس، وهو قوى 14 آذار بوزرائها الـ17 (بعد اغتيال الوزير بيار الجميل). بدا من السهولة بمكان توقيعهم جميعاً مراسيمها كلها بلا استثناء أو تحفظ أو رفض، ما داموا في فريق الإئتلاف الواحد، ما حمى استقرارها وأطلق يد رئيسها آمراً ناهياً في رسم سياساتها. لكن اعتماد الآلية هذه مجدّداً لم يفضِ بالضرورة إلى النتيجة نفسها بالنسبة الى رئيس الحكومة أو الى وزرائها. وهو مصدر شكوى سلام وتذمره، اليومي تقريباً، من الإخفاق الذي يواجهه داخل مجلس الوزراء، الناجم عن تنافر المواقف بين قواه: بين وزراء 8 و14 آذار، كما بين وزراء الفريق الواحد، ما أن أصبح فيتو الوزير أقوى من مجلس الوزراء مجتمعاً.
يقول بري إنه ليس في معرض تفسير الدستور، بل تطبيقه ليس الا. تالياً لا يسع مجلس الوزراء سوى ممارسة النطاق الدستوري لصلاحيات رئيس الجمهورية بعد إنتقالها اليه. لا أكثر ولا أقل. ليس للمجلس ممارسة سلطة لم يمنحها الدستور للرئيس، ولا خصوصاً الإجتهاد والتوسّع في ممارسة صلاحية، ولا التردّد والتريث حيال صلاحية ملزمة.
في وجهة نظر رئيس المجلس تمييز المراسيم التي يقرها مجلس الوزراء عن تلك التي الخارجة عن جلسات المجلس ويوقعها رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزير المختص ووزير المال عندما يقترن المرسوم بعبء مالي. يرى بري حتمية توقيع مجلس الوزراء بأعضائه جميعا الطراز الثاني من المراسيم، غير الصادرة عن مجلس الوزراء كون الوزراء هنا يرثون صلاحيات رئيس الجمهورية عند شغور منصبه.
بري: على مجلس الوزراء الحاضر أن
يكون رئيس الجمهورية الغائب
بيد أن الحال ليست كذلك في المراسيم التي يقرها المجلس ويصوّت عليها، ولا يتطلب إصدارها حكماً توقيع الوزراء الـ24، وتحتاج بدورها إلى دورة عمل مختلفة عن الطراز الثاني من المراسيم، بغية المحافظة على آلية عمل مجلس الوزراء واستمراره وضمان الإنتاج والحؤؤول دون تعطيله.
يقول رئيس المجلس في شرح وجهة نظره، إن على مجلس الوزراء في ظل شغور الرئاسة حسن إدارة المعادلة الإستثنائية والإنتقالية الآتية: «أن يكون مجلس الوزراء الحاضر رئيس الجمهورية الغائب». عندما يحضر رئيس الجمهورية جلسة المجلس، من دون أن يملك حق التصويت، فإن صلاحية التحفظ المعطاة له، في المادة 56، تقضي بأن يطلب في 15 يوماً اعادة النظر في المرسوم، على أن يصدر المرسوم بلا توقيعه عند انقضاء هذه المهلة. لمجلس الوزراء الموافقة على طلب الرئيس إعادة النظر في المرسوم، او اصراره على تصويته السابق له. لا يسع رئيس الدولة تعطيل صدور المرسوم، بل يمتلك صلاحية التحفظ والإعتراض مشروطة بمهلة لإصدار المرسوم أو طلب إجراء قراءة ثانية له. وما لا يسع صاحب الصلاحية الأصيل فعله، ليس للوكيل أن يفعله ويتحوّل عقبة في عمل مجلس الوزراء، وتعطيل اتخاذه القرارات وإصدار المراسيم. الأمر الواقع الذي يرافق حكومة سلام في الوقت الحاضر عندما يتجاذب وزراؤها المطالب، فلا يوقّع أحدهم للآخر مرسوماً ما لم يبادله الأخير الموقف نفسه. بذلك يقع إقرار المراسيم وتوقيعها في لعبة المقايضة.
يقول رئيس المجلس إن الدستور يرسم بدقة ووضوح آلية عمل مجلس الوزراء. لا يجتمع إلا بثلثيه. يقر مشاريع القوانين العادية بنصاب النصف +1، ومشاريع القوانين والقرارات الأساسية المنصوص عليها في المادة 65 بالثلثين. بعد ذلك يُدوَّن التصويت في محضر مجلس الوزراء كي يعود إليه لتبديد أي غموض في اتخاذ القرارات والتصويت على مشاريع القوانين. ولأن مجلس الوزراء يجسّد إرادة السلطة الإجرائية، يقتضي العمل بهذه الآلية في غياب رئيس الجمهورية كما في حضوره. إقترح بري على سلام الإقتداء بآلية التصويت نفسها وفق المادة 65 عندما يحضر الرئيس أو لا يحضر، أو عندما يشغر منصبه: القرارات التي توجب تصويت النصف +1 تقرّ بهذا النصاب، والقرارات التي تتطلب الثلثين تتخذ بالنصاب الموصوف.
ليست الحال كذلك في واقع حكومة سلام اليوم. ما لم يُجمع الوزراء الـ24 على مشروع قانون أو قرار، لن يبصر النور أبداً، ويوضع في الأدراج ما دامت عدم الموافقة على إقراره تنعكس عدم توقيع المرسوم، وتالياً الحؤول دون إصداره عملاً بصلاحية رئيس الجمهورية الموضوعة وكالة بين أيدي الوزراء.