بات افضل ما يمكن توقعه ـــ وربما اقصاه ـــ تمكّن حكومة الائتلاف من العثور اخيراً على حل يرفع النفايات من الشوارع، بحد ادنى من تقاسم حصص كنز مستجد افصحت عنه الزبالة. حكومة لا تملك ان ترحل، ولا بالتأكيد ان تؤدي مهمتها
لم تعد حكومة الرئيس تمام سلام حكومة الاستقرار الداخلي ما دام الامن بين يدي الحوار السنّي ــــ الشيعي في عين التينة، ولا حكومة ملء الشغور الرئاسي وقد تيقن الجميع من ان قرار انتخاب الرئيس ليس بين ايدي اي من الافرقاء المحليين مرشحين وناخبين.
ثنائية الامن والشغور كانت الوظيفة المحددة لحكومة سلام قبل سنتين من اليوم، وسط نصيحة دولية القت بثقلها على تأليفها وعلى السهر دون انهيارها: ما يتفق عليه افرقاؤها يباركه عرابوها الاقليميون والدوليون على وفرة نزاعاتهم في حروب المنطقة، وما يختلفون عليه لا ينزل ابداً وفي اي حال الى الشارع. الدرس الوحيد الذي تنتظم من خلاله حكومة الائتلاف. ما خلا الامن واستمرار الشرعية البديلة من الشغور، كل ملف سواهما غير ذي شأن.
منذ مطلع الاسبوع انحسرت احاديث الاستقالة مع تعاقب اجتماعات السرايا لبت حلول نهائية لمشكلة النفايات تدريجاً، بتذليل العقبات واحدة تلو اخرى الى حد لم يعد لدى احد، في السرايا وخارجها، ما يقوله عن استقالة محتملة لرئيس الحكومة. بدوره رئيس مجلس النواب نبيه بري يجزم بعدم حصولها بعبارة مقتضبة كافية: «ما ان يدعو الرئيس سلام الى جلسة يحضر الجميع بلا استثناء».
لم يمانع بري الاربعاء في طرح الموقف المحتمل للبنان في اجتماع وزراء الخارجية العرب الى طاولة الحوار الوطني بغية تحقيق حد ادنى من التوافق على السياسة الخارجية بعد الجدل الذي احاط بها في الاسابيع الاخيرة. الا ان سلام فضّل ابقاء مناقشته داخل مجلس الوزراء. تفهّم بري وجهة نظره وجارى حجة رئيس الحكومة عدم خلط ما تناقشه طاولة الحوار الوطني مع ما هو في جدول اعمال جلسات مجلس الوزراء. وعلى تشعب سجالات طاولة الحوار، وخصوصاً بين الوزير جبران باسيل والنائب سليمان فرنجيه ترجمة لانهيار تحالف التيار الوطني الحر وتيار المردة، لم يلمس بري مصادر اضافية للقلق على الحكومة.
بل اظهر ما افضت اليه طاولة الحوار مجدداً، لدى رئيس البرلمان، ان اياً من افرقائها، ولا رئيس الحكومة خصوصاً، في وارد تعريض الحكومة مجدداً لامتحان البقاء. باتت خلافات الوزراء وانقساماتهم، في عرف بري، في صلب تقاليد الحكومة، ويذكّر بمرات جهوده لحملها على الانعقاد وتجاوز انقساماتها تلك تارة بالخلاف على ممارستها صلاحيات رئيس الجمهورية ويبدو ان هذه اصبحت من الماضي، وطوراً على جدول اعمالها وملفاتها.
مع ذلك لفتت بري، الى طاولة الحوار، عدم حماسة حيال تحريك جلسات مجلس النواب، وهو على ابواب العقد العادي الاول في 22 آذار.
بري غير ملزم بربط الحريري انعقاد المجلس بقانون الانتخاب
ومع ان التئام المجلس بدءاً من هذا الموعد حتمي، يشير الى شقين في هذا الامر:
اولهما، ان توقيت العقد العادي الاول ليس كافياً في ذاته لضمان انعقاد مجلس النواب رغم طابعه الدستوري الملزم. ما لم تقرر الكتل النيابية حضور الجلسة العامة لا جدوى من الدعوة اليها. بذلك يعلق اهمية على مشاورات يتوقع ان يجريها في الايام المقبلة تحضيراً لتحريك جلسات البرلمان، على ان يليها اجتماع هيئة مكتب المجلس لتحديد جدول اعمال الجلسة العامة. الى الآن لا تزال ذرائع المقاطعة اياها على غرار الانقطاع عن جلسات انتخاب رئيس الجمهورية. بسبب استمرار الشغور تمتنع كتل عن الحضور الا لانتخاب الرئيس، وبسبب الشغور نفسه لا يسع كتل ثانية الا الموافقة المسبقة على ما يقتضي مناقشته وفق احكام الضرورة، وللسببين اياهما او لأحدهما تتضامن كتل ثالثة مع هذين الفريقين بالامتناع عن الحضور.
امتحن رئيس المجلس المشكلة نفسها السنة المنصرمة. طوال 2015 لم يتمكن البرلمان من الانعقاد الا في جلسة واحدة فقط في 12 تشرين الثاني و13 منه رغم مرور عقدين عاديين في آذار وتشرين الاول بلا طائل، ورغم مساع بذلت ما بينهما لتوقيع مرسوم عقد استثنائي اخفقت بدورها. على نحو كهذا، احالت الكتل النيابية في قوى 8 و14 آذار على السواء مقاطعة جلسات المجلس ــــ لانتخاب الرئيس كما للتشريع ــــ مبررة تبعاً لذرائعها السياسية أياً يعنيه الالزام الدستوري.
ثانيها، قول بري لسائليه انه غير ملزم بما قاله الرئيس سعد الحريري في 11 تشرين الثاني المنصرم، عشية الالتئام اليتيم لمجلس النواب السنة الفائتة، مبرراً حينذاك موافقة كتلته النيابية على حضور جلسة اقرار قوانين مالية ونقدية ملحة، انها لن تحضر بعد ذاك اي جلسة عامة لا يكون في رأس جدول اعمالها قانون الانتخاب، على نحو حاول معه اظهار مراعاته موقف حلفائه المسيحيين المقاطعين. ما عُدّ يومذاك نعياً قاطعاً لأي اجتماع محتمل في ما بعد.
تعقيب رئيس المجلس ان موقفاً كهذا غير ملزم لرئاسة المجلس المعنية بتوجيه الدعوة الى عقد جلسات عامة في العقود الدستورية، سواء انجز اقتراح قانون الانتخاب ام لما يزل في نطاق مواقف مبهمة وملتبسة وغير جدية كحاله الآن. كان بري قد أُخطر مساء الثلثاء ــــ وهو يتحضر لطرح قانون الانتخاب على طاولة الحوار الوطني الاربعاء ــــ ان مسودته لم تنجز على اثر اجتماع اللجنة الفرعية في ذلك اليوم. كذلك تبلغ عقدها اجتماعاً اخيراً الثلثاء المقبل بعد ان يكون افرقاؤها عادوا من مرجعياتهم بآرائهم على مسودة المبادىء التي انتهوا اليها حتى الآن، ما حمل بري على القول ان لا مسودة قانون انتخاب بعد. على ان المجلس في رأيه لا ينتظر طويلاً قانون الإنتخاب.