Site icon IMLebanon

بري يُذكِّر المحلِّقين في الفضاء: هنا القرار!

 

سدَّد الرئيس نبيه بري كرةً مُحكَمة في ملعب تحالف عون- الحريري، فيما حُرّاس المرمى (عون، الحريري وباسيل) يحلّقون عالياً وبعيداً في أمكنة أخرى (نيويورك ومونتريال وموسكو وعواصم أخرى)، وقال لهم: في النهاية، أنتم مجبَرون على «إعادة أرجُلِكم» إلى الأرض، والقرار هنا، في بيروت!

من العبث التفكير في ما إذا كانت الصدمةُ التي أحدَثها رئيس المجلس ستؤدّي فعلاً إلى تقريب موعد الانتخابات النيابية. فهذه المسألة دونها الكثير من المصاعب السياسية لدى العديد من القوى، عدا المصاعب التقنيّة الهائلة التي تكاد تجعل التنفيذَ أمراً مستحيلاً.

لكنّ المؤكد أنّ بري، «الأستاذ»، بالأصالة عن نفسه، وبالوكالة عن «حزب الله»، رمى حجراً أصاب فيه العديد من العصافير:

1- يتوافق «التيار الوطني الحرّ» والحريري على إدخال تعديلاتٍ أساسية في متن قانون الانتخاب. ومنذ اللحظة الأولى لإقرار هذا القانون، ظهر باسيل وكأنه «نادم» على العديد من بنوده ومندرجاته. وبدا أنه يراهن على تعديلها قبل مجيء موعد الانتخابات في أيار 2018. وقد تصدّى له بري صراحةً في حينها مؤكّداً أنّ حرفاً واحداً لن يتغيَّر في القانون. فإذا فُتِح بابُ التعديل سيُطاح تماماً بالقانون بأكمله، لأنّ الجميع يرغب في إعادة النظر في بعض بنوده، كل من زاويته.

2- يشكل تطيير الانتخابات الفرعية في طرابلس وكسروان فضيحةً دستورية فاقعة. وليس لبري، ولا لأيّ من القوى الشيعية، مصلحة في هذا التطيير. وعلى العكس، هذه القوى تسجِّل على نفسها انغماسَها في لعبة التعطيل مجاناً، فيما المستفيدُ الحقيقي هو الحريري المرتبك في انتخابات طرابلس و«التيار» المرتبك في انتخابات كسروان. ومن مصلحة بري أن يذهب إلى إحراج هذين الطرفين بالدعوة إلى انتخاباتٍ مبكرة تبرِّر تطييرَ الفرعية… وإلّا فليتحمَّل مسؤوليته رافضو الانتخابات المبكرة.

3- يُدرك بري أنّ الحريري ليس مستعدّاً لخوض الانتخابات العامة. فـ«المستقبل» يحتاج فعلاً إلى مزيد من الوقت لإعادة الإمساك جيداً بالشارع السنّي الذي هزَّته الخضاتُ بتأثيرٍ من التحوّلات العميقة التي خلّفتها الحرب في سوريا على مدى سنوات. ولا تزال الورشة مفتوحةً لنقْل المزاج السنّي من وضعية الاستنفار ضد «حزب الله» والأسد- التي دفعه إليها «المستقبل»- إلى وضعية الهدوء والمهادنة… ثم التطبيع.

ولا يريد بري ولا «الحزب» أن يخرج الحريري مهزوماً أو ضعيفاً من الانتخابات المقبلة، ولكن لا بأس بتذكيره بأنّ الطرف الشيعي له فضل في تقوية موقعه مقابل خصومه السنّة.

4- بدا تحالف الحريري و«التيار»، من خلال الوزير جبران باسيل، قويّاً و«لا يَسأل عن أحد» في مجلس الوزراء، وهو يحظى بدعم رئيس الجمهورية، ما يمنع القوى الأخرى من الذهاب بعيداً في مواجهته، لئلّا يصطدم بالعهد نفسه. ولذلك، يستعجل هذا التحالف تسييرَ الصفقات المتوافَق عليها بين الطرفين، ولاسيما خطّة الكهرباء التي جرى فرضها كأمر واقع على الجميع بمَن فيهم دائرة المناقصات التي مارست صلاحيّاتها حتى النهاية. وكذلك، جرى تمرير صفقة رضائية لإصدار بطاقة الهوية البيومترية.

5- يعتقد البعض أنّ القوى الشيعية مرتاحة عموماً إلى أنّ الحريري يتَّجه نحو التطبيع مع الأسد، لكنّها تفضّل أن يذهب إليه مباشرة، أو بوساطة القوى الشيعية اللبنانية نفسها، لا سواها، فيما بدا الحريري وكأنه يريد حماية نفسه من التّماس المباشر مع الأسد من خلال الوسيط الروسي. ففي تفكير الحريري أنّ موسكو تبقى قوةً دوليّةً فاعلة، ولرئيسها تأثيره القوي على الأسد، ولا بأس بالروس كوسيط يُتيح للحريري النزول في سوق إعادة إعمار سوريا، ويسهّل الإنتهاء من أزمة الترسيم للحدود اللبنانية- السورية.

6- في رأي البعض أنّ طرح بري له مغزاه في التوقيت. فمن شأن الضغط الذي يمارسه الطرف الشيعي اليوم، أن يذكِّر «التيار» والحريري، اللذين يحلّقان بين عواصم القرار، من موسكو ونيويورك إلى باريس وسواها، بأنّ الأمر في الملفات الاستراتيجية هو هنا، في بيروت، وأنّ الطرفَ الشيعي شريكٌ أساسي فيه، بل هو صاحب القرار الأوّل، فـ«أعيدوا أرجُلَكم إلى الأرض»!

إذاً، المسألة كلها يمكن اعتبارها مشهداً جديداً من مشاهد الكباش السياسي بين القوى التي توافقت، بل تواطأت، أواخر 2016، على إنتاج التركيبة السلطوية القائمة، حيث يمارس كل طرف لعبة عضّ الأصابع ليدفع الخصمَ إلى الصراخ والتسليم في مكان آخر.

وأما الخط الأحمر الذي يخشاه الجميع فهو فقدانهم هذه السلطة. مثلاً: لا يريدون إتاحة الفرصة لأيّ قوة تفاجئهم في الانتخابات، وتفرض نفسها كتلةً نيابية ذات وزن، ويمكن أن تحاسبَهم وتسألهم جميعاً: لماذا تفعلون كذا، ولماذا لا تفعلون كذا، وكيف لكم أن تخالِفوا الدستور والقوانين وتتجاوزوا مؤسسات الرقابة وتمارسوا الضغط على القضاء؟

الجميع يخشى قيام كتلة معارضة أو معترضة ذات وزن فاعل، غير قابلة للضبط، تشوّش هدوءَ صفقاتهم وخرقهم للدستور والقوانين، كأن تحقّق قوى المجتمع المدني في الانتخابات النيابية المقبلة ما حقّقته في الانتخابات البلدية الأخيرة من مفاجآت.

ومن أجل ذلك، يتصارعون جميعاً داخل دائرة قانون الانتخاب، ولكنهم يحرصون على قطع الطريق على «الدخلاء». هذا مكمن الخطر عندهم، وكل الباقي تفاصيل، ومن مقتضيات «الصورة» الديموقراطية.