يعود الحديث عن قانون الانتخاب إلى صدارة الحدث بعد تمديد مجلس النواب ولايته وتيقن الأفرقاء من أن لا انتخاب وشيكاً لرئيس الجمهورية. لكن الخوض في قانون الانتخاب يختلف حتماً عن توقّع إبصاره النور في يوم قريب
وضع رئيس مجلس النواب نبيه بري، أمام اللجنة النيابية المكلفة درس قانون الانتخاب حدّين في مهلة الشهر الأول لمهمتها: أدنى هو اقتراح القانون المختلط، وأقصى هو رفض البحث في اقتراح اللقاء الأرثوذكسي. ما توخاه معاودة اللجنة، بعد توسيعها، اجتماعاتها من حيث انتهت عشية التمديد الأول للمجلس قبل سنة ونصف سنة، وحصر البحث باقتراح القانون المختلط بعدما انضم إليه أخيراً رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.
بدعوته إلى الخوض في قانون جديد للانتخاب، بدا بري أكثر الأفرقاء تجاوزاً لتداعيات تمديد ولاية البرلمان، فيما الآخرون ـــ الذين أيدوا التمديد أو عارضوه ــ لم يتوقفوا منذ جلسة الأربعاء عن تبرير مواقفهم المتناقضة منه: مرة ظهر كل منهم أنه أم الصبي، مفاخراً بإنقاذ الشرعية من الفراغ، وأخرى بإلقاء التبعة على سواه. مع ذلك، من غير المؤكد تماماً أن الأسباب التي حالت دون الاتفاق على قانون جديد في جولات ما قبل تمديد 2013 وما بعده، باتت تفسح في المجال أمام الاتفاق عليه اليوم. الأحرى في تمديد لسنتين و7 أشهر عذر كافٍ لأكثر من طرف كي لا يستعجل، بما فيهم أولئك المنادون بأولوية انتخاب رئيس للجمهورية عما عداه.
بدءاً بالتمديد الأول، مروراً بالشغور الرئاسي، فَقَدَ المجلس سلاحَي الأكثرية والثلثين
إلا أن دون الخوض الجدي في قانون جديد للانتخاب ــ وليس الاتفاق عليه حتى ــ عقبات شتى:
أولاها، أن أياً من فريقي 8 و14 آذار لا يملك الغالبية النيابية (النصف +1) كي يتمكن من فرض القانون الجديد، ما يحتم إبرام تسوية مستحيلة بينهما، وقد استحالت في عزّ مداولات ما بين كانون الثاني 2013 وأيار حتى عشية إقرار تمديد الولاية سنة و5 أشهر، تارة لوفرة الاقتراحات، وطوراً لإصرار كل طرف على قانون انتخاب يقوده إلى الأكثرية النيابية في البرلمان المنتخب. في تجربة سنة ونصف سنة بدأت بالتمديد الأول وعبرت به إلى شغور رئاسة الجمهورية، تأكد أن المجلس فقد مقدرته على استخدام سلاحين دستوريين رئيسيين يفترض أنهما يجنّبانه الخلاف والانقسام بين كتله، ويحافظان على وظيفته وآلية عمله: نصاب الأكثرية المطلقة ونصاب الثلثين. أضحت كتله الرئيسية الكبيرة أقوى منه، من دون أن تشكل أكثرية قادرة. بل هي أقرب إلى جزر أقليات.
عندما سئل قبل أيام كيف يسع المجلس إقرار قانون انتخاب في ظل انقسامه، أجاب بري: لا أحد يملك أكثرية نيابية. في المجلس اليوم أقليتان زائداً وليد جنبلاط. إذا انضم إلى إحداهما نشأت أكثرية نيابية، ومن غير الواضح في الوقت الحاضر أنه سيفعل.
ثانيها، أن قانون الانتخاب دخل منذ ما قبل تمديد 2013 في دائرة الميثاقية، وهو لم يكن كذلك على مرّ انتخابات 1992 ــ 2009، ما يجعل الاتفاق عليه أسير توفير أوسع توافق داخلي من حوله. مذ أضحت الميثاقية في صلب موازين القوى الداخلية، وخصوصاً في مجلس النواب كشرط حتمي لالتئامه وممارسته نشاطه وليس لنصابه فحسب، لم يعد ثمة معنى أو جدوى لوجود أكثرية أو أقلية، أو الاعتداد بالتصويت حتى. أدرج بري قانون الانتخاب في قاعدة الميثاقية انطلاقاً من اعتقاده بأن من غير الممكن استبعاد أي طرف عن المشاركة في صوغه، على نحو مشابه لامتناع أي طرف رئيسي عن المشاركة في الانتخابات النيابية.
قال أيضاً: في انتخابات 1992 لم أكن رئيساً للمجلس، ولو كنت لما قبلت بقانون انتخاب يقف ضده المسيحيون، ولا بإجراء انتخابات يقاطعونها.
بذلك تساوي الميثاقية بين وضع القانون والذهاب إلى الانتخابات. وإذ تبدو في حساب رئيس المجلس ضامناً حقيقياً لمشاركة الأفرقاء، إلا أن بين هؤلاء ـ من هذا الفريق أو ذاك على السواء ـ مَن يحيلها سيفاً ذا حدّين، ويستخدم موقعه لتعطيل الاتفاق عبر التغيّب.
ثالثها، في حصيلة اجتماعاتها، انتهت اللجنة النيابية عام 2013 إلى صيغ ثلاث لم يحظَ أي منها بأوسع تفاهم عليها، واقتصر تأييدها على طارحيها فقط: اقتراح اللقاء الأرثوذكسي أيده تكتل التغيير والإصلاح وحزب الكتائب، اقتراح الدوائر الصغرى باقتراع أكثري دعمه واضعوه، ائتلاف تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، اقتراح القانون المختلط المستوحى من مشروع لجنة الوزير السابق فؤاد بطرس طرحه رئيس المجلس بعدما عدّل في نسبة الاقتراع النسبي والأكثري بأن جعلها مناصفة بينهما، فيما حدد مشروع بطرس 77 مقعداً نسبياً و51 مقعداً أكثرياً.
غداة تمديد ولاية المجلس، قال بري إنه ضد اقتراح اللقاء الأرثوذكسي، رغم أنه لم يؤيده عند طرحه، مكتفياً بإعلان دعمه ما يتفق عليه الزعماء المسيحيون. وهو موقف الرئيس سعد الحريري قبل أن يقرر تيار المستقبل تبني اقتراح مستقل مع حليفه حزب القوات اللبنانية بعد تخلي الأخير عن اقتراح اللقاء الأرثوذكسي. في المقابل، أبلغ حزب الله إلى الرئيس ميشال عون تأييده اقتراح اللقاء الأرثوذكسي لمرة واحدة يُصوّب خلالها التمثيل المسيحي في البرلمان، على أن تكون انتخابات الدورة التالية بقانون انتخاب آخر بتوافق الأفرقاء جميعاً. كل من الاقتراحات الرئيسية تلك مفصّل أو يكاد على قياس المرجعية التي طرحته، توخياً لحصولها على الغالبية النيابية. كانت النتيجة الحتمية لتشبثها بها الذهاب السهل إلى تمديد أول للولاية بسبب عدم وجود قانون انتخاب جديد، وإلى تمديد ثانٍ بسبب عدم البحث في قانون انتخاب جديد.