دفعت أحداث قبرشمون التي ذهب ضحيتها قتيلان وعدد من الجرحى، الوضع الأمني إلى مقدمة التطورات الداخلية، في ضوء النتائج والتداعيات التي فرضت نفسها بقوة على المشهد السياسي، واضعة المسؤولين أمام تحد بالغ الخطورة تواجهه منطقة الجبل، مع ما يحمله من مخاوف جدية على الاستقرار، وسط تحذيرات من مؤشرات لفتنة يراد إيقاعها بين أبناء الطائفة الدرزية، خاصة وأن هناك احتكاكات سابقة حصلت بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«الحزب الديمقراطي اللبناني»، في مدينة الشويفات وغيرها من القرى والبلدات الجبلية، ضاعفت التأزم بينهما.
وفي الوقت الذي أعادت هذه الأحداث المؤسفة، مشهداً بغيضاً من مشاهد الحرب الأهلية، بما تخللها من إطلاق نار عشوائي وقطع للطرقات، وما خلفاه من أجواء رعب وقلق بين الناس، فإنه كان لسرعة انعقاد المجلس الأعلى للدفاع، برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، وحضور رئيس الحكومة سعد الحريري والأعضاء، وما اتخذه من قرارات حاسمة لردع المتسببين بالأحداث، والعمل على توقيفهم جميعاً، انعكاسات إيجابية على الأرض، بالتوازي مع الإجراءات والتدابير الأمنية التي يقوم بها الجيش، لإعادة الأمن والأمان إلى هذه المنطقة، في حين علمت «اللواء» أن الجيش أعطي أوامر صريحة بفرض الأمن واستعادة هيبة الدولة، وبالتالي التعامل مع أي ظهور مسلح بحزم، بعدما نشطت التحقيقات لكشف ملابسات ما جرى بشكل كامل، لتبيان الحقيقة وتوقيف كل المتورطين في هذه الأحداث التي تصفها أوساط وزارية لـ«اللواء»، بأنها «الفتنة بعينها، ما يوجب أن تسخر الأجهزة العسكرية والأمنية كل امكاناتها، لوأد هذه الفتنة في مهدها، وتالياً عدم السماح للعابثين بالأمن أصحاب النوايا الخبيثة أن يحققوا مرادهم»، مشيرة إلى أن «المسؤولين السياسيين والعسكريين يتعاملون مع الذي حصل، بمنتهى الجدية لأنه تهديد مباشر للسلم الأهلي، ومن شأنه أن يعيد خلط الأوراق ويغرق البلد مجدداً في الفوضى والاقتتال الداخلي».
وتؤكد الأوساط أن «هذه الأحداث، أظهرت ركاكة المصالحة التي حصلت، لأنه لم تمضِ أشهر قليلة على قداس التلة بين رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، خاصة وأن الرجلين شددا على أن هذه المصالحة راسخة وعميقة، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كبيرة عن جدوى هذا الكلام بعد الذي جرى، وبالتالي بدا بوضوح أن المصالح السياسية والاعتبارات الطائفية والمذهبية، تبقى تتقدم على ما عداها، الأمر الذي يوجب أن تعيد القوى السياسية في الجبل، إعادة حساباتها وتعمل على تقوية دعائم الوحدة الوطنية، بما يعزز مناعة هذه المصالحة ويعطيها دفعاً قوياً، لتنقيتها من الشوائب والمخلفات».
وتشدد، على أن «الكل مسؤول عما جرى، ولا بد من أخذ العبر والاستفادة من الدروس، لتجنب الوقوع في المحظور مرة جديدة، وبما يفرض على جميع المكونات مراعاة أسس الوحدة الوطنية والعيش المشترك بين جميع اللبنانيين، وتحديداً في منطقة الجبل التي عانت أكثر من غيرها»، معتبرة أن «إطلاق المواقف والتصريحات غير المدروسة والانفعالية تصب الزيت على النار، كما هي حال الوزير باسيل الذي يعمل على توتير الأجواء، من حيث يدري أو لا يدري، ما ساهم بزيادة حدة الاحتقان في الجبل، من خلال أسلوب التحدي الذي ما انفك يستعمله في الكثير من هذه المواقف التي يدلي بها، في الجولات التي يقوم بها، مع ما تتركه من انعكاسات سلبية تطال العهد وسيده».
وفي المعلومات أن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي استشعر أكثر من غيره، خطورة ما جرى في الجبل، سيقوم بدور الإطفائي كما هي العادة، لرأب الصدع بين «الاشتراكي» و«الديمقراطي اللبناني»، على أن تشهد الأيام المقبلة تهدئة للأوضاع على الأرض، في مقابل إجراءات الجيش الصارمة التي ينفذها، بداية اتصالات ستجري في محاولة للتخفيف من التوتر السياسي بين الفريقين، من خلال لقاءات ستشهدها «عين التينة»، مهمتها إعادة ترطيب الأجواء بين «خلده» و«المختارة»، ولكن هذا المرة على أسس واضحة وصريحة، لمصلحة أبناء الجبل جميعاً.