كل الذين يزورون الرئيس نبيه بري هذه الأيام – يعودون بانطباع لافت، وهو أنه فتح أبواب التفاؤل على مداها الواسع أمام الحوار المرتقب بين «تيار المستقبل» و«حزب الله»، وان لا مخاوف لديه من دخول أطراف ثالثة على الحظ لتعكير الاجواء التي آلت اليها اللقاءات الثنائية والثلاثية بين ممثلي «أمل» و«المستقبل» و«حزب الله»… وهي أجواء تساعد على التأكيد بأن الحوار سينطلق في أقرب وقت (قبل منتصف الشهر الجاري) وان جدول الأعمال قيد الانجاز وان لا عقبات أساسية تحول دون ذلك، على رغم ما يستشعره الرئيس بري من قلق لدى أفرقاء عديدين، على ضفتي الثامن والرابع عشر من آذار، من ان يؤدي «التوافق الثلاثي هذا – مشفوعاً بمباركة رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط – الى تهميش دور «القوى المسيحية» في الاستحقاقات المقبلة، وتحديداً منها انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟!.
يرفض الرئيس بري، على ما ينقل زواره، هذا السيناريو من التشكيك، الذي قد يكون «بريئاً» وقد يكون غير ذلك، خصوصاً وان أفرقاء أساسيين، لم يترددوا في اعلان «عدم ايمانهم في الوقت الراهن بالحوار» بحجة «ان القرار خارج لبنان…» وان «سقف الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله» هو «تنفيس الاحتقان…» أقله في المرحلة الراهنة… الأمر الذي يفسر معنى ان يؤكد كثيرون «ان المواضيع الخلافية الكبرى (من مثل «سلاح المقاومة» و«المشاركة في الاحداث السورية) لن تدخل في اطار الحوار المرتقب…» ومعنى ان يفسر أيضاً رفض آخرين، او تحفظاتهم على الحوار «الثنائي» او «الثلاثي» بحجة أنه يستثني مواضيع هي من صلب الخلافات والاشكاليات القائمة…
الحوار قائم… وفي قناعة زوار عين التينة، أنه لو لم يكن الرئيس بري على ثقة تامة بأن الحوار سيتم وسيعطيه نتائج مرضية، لما كان غامر وأطلق هذه المبادرة… وهو من غير ان يفصح عن المعطيات بشكل واضح وصريح، يتسلح بجملة مواقف إقليمية مؤثرة وفاعلة لم تعد خافية على أحد… وقد توقف كثيرون أمام ما أعلنه سفير المملكة العربية السعودية في لبنان، علي عواض عسيري لجهة «ان الرئيس بري شخصية وطنية تحظى باحترام وتقدير الجميع، وهو يبذل جهوداً كبيرة في سبيل التوصل الى حلول سياسية، وفي مجال الحوار بين الاطراف كافة، لاسيما «تيار المستقبل» و«حزب الله» وتأكيده ان «غاياتنا تتفق مع جهود الرئيس بري الرامية الى تشجيع القوى السياسية كافة، على الدخول في حوار معمق وتنفيذ مخرجاته، بما يؤدي الى نقل البلاد الى وضع أفضل على المستويات كافة السياسية والأمنية والاقتصادية…».
لافيتو سعودي، ولا تحفظات لا قيود ولا شروط على الحوار الموعود… لاسيما وان التطورات الأخيرة كشفت عن قلق دولي صريح من استمرار الشغور في سدة رئاسة الجمهورية، وهو استحقاق، يرى كثيرون أنه من غير الممكن العبور اليه عن غير طريق «الحوار» و«التوافق»، الذي قد يبدأ ثنائياً» او «ثلاثياً» إلا أنه لا بد وان ينتهي «وطنياً لبنانياً» ولا يستثني أحداً من الافرقاء…
تأسيساً على هذا، فإن البعض ينظر الى «الحوار» كضرورة، من زاوية أشمل، حيث لبنان يعيش مرحلة استثنائية، وهو في «عين العاصفة» في مواجهة «الجماعات الارهابية» المتفلتة من أي قيد، وان الاولوية هي لاعادة بناء المؤسسات، وفي طليعتها ملء الشغور الرئاسي، حيث الدولة اللبنانية، بكل مؤسساتها، باتت في مرمى هذه الاستهدافات، بدليل ما تعرض، وما يمكن ان يتعرض له، الجيش اللبناني، الذي لا يمكن وصفه بأية صفة فئوية، او طائفية او مذهبية، او مناطقية…
حسم الرئيس نبيه بري الجدل، وأكد ان جدول الأعمال للحوار الموعود، سيتضمن البنود التي يتفق عليها – من مثل الاستحقاق الرئاسي، وقانون الانتخابات النيابية، وهو سيستبعد تلك «البنود التي يصعب التفاهم عليها حالياً»، من مثل «سلاح المقاومة» («حزب الله») ومشاركة الحزب في الحرب في سوريا الى جانب النظام… وهو أمر يجد معارضة مؤثرة في الوقت الراهن، بل تأييداً دولياً وإقليمياً لافتاً، بدليل ما تبلغه بري شخصياً من السفير السعودي، ومن وافدين كثر، من تشجيع املاً في ان «يفتح الحوار كوّه في الجدار الفاصل، او العازل، ويشكل مدخلاً الى الاتفاق على انتخاب رئيس جمهورية بمواصفات غير خيالية، ويكون «مؤهلاً لجمع اللبنانيين وتوحيد أهدافهم، ويكون مقبولاً من الجميع، قادراً على جمع الشمل…»؟!
لكن السؤال يبقى، هو الى أي مدى يستطيع «المستقبل»، و«حزب الله» اذ يتخليا عن التزاماتهما تجاه مرشحيهما الى رئاسة الجمهورية، سمير جعجع و(الجنرال السابق) النائب ميشال عون؟!
تؤكد مصادر «مستقبلية» ان المسألة ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة بالنسبة الى «تيار المستقبل» الذي يتكيء على مبادرة جعجع، التي كان أعلن فيها استعداده للانسحاب من الترشح، في حال قضت الضرورات ذلك ووفق شروط أعلن عنها… وذلك بخلاف موقف «حزب الله» الذي لايزال متمسكاً بالجنرال عون باعتبارهما «جسداً واحداً» وهو، أي الحزب، لن يضغط على حليفه البرتقالي، بل سيترك له حق الخيار، وهو سيمضي معه في أي خيار؟! الأمر الذي اعتبر في بعض المواقع عرقلة متعمدة، وعن سابق اصرار وتصميم، لانتخاب رئيس للجمهورية، ما يضعه في مواجهة محتومة أمام «الحليف» و«الخصم»، حيث ان الرئيس بري، كان ضرب على صدره، أكثر من مرة وقال: «عندي…» وهو الذي أوكله الحزب التصرف بما يرتأيه مناسباً، ويخرج البلد من الدوامة التي هو فيها منذ سنوات…
لكن مصادر في الحزب تؤكد، «أنها لن تكون حجر عثرة في طريق أي توافق، وان الكرة ليست في ملعب أي فريق بقدر ما هي في مرمى القيادات المسيحية التي، وعلى ما يبدو، تعيش «أجواء جديدة» وتنتظر مبادرة من البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، لعقد «لقاء قيادي ماروني موسع من أجل درس التطورات والتوافق على مخارج وحلول وتنهي تهميش ارادة المسيحيين في العديد من الاستحقاقات…»؟!