برّي حزم حقائبه لقضاء إجازته.. وصراع «القوات» و«التيار» لا يبشر بالخير
مناخات التفاؤل بقرب تأليف الحكومة تتبخر والمفاوضات إلى نقطة الصفر
الرئيس المكلف أمام جولة جديدة من حياكة الصيغ الحكومية بعد أن لعبت كل القوى أوراقها على المكشوف
يبدو أن كل المفاوضات التي حصلت حول تأليف الحكومة، وكل الصيغ التي تمّ تداولها لأجل هذه الغاية، قد تبخرت وأصبحت في خبر كان، وبات تحديد أي موعد قريب لولادة الحكومة الجديدة، بمثابة ضرب من الخيال، حيث عكست المعطيات التي برزت نتيجة الحراك السياسي الذي حصل بعد عطلة عيد الفطر السعيد مناخات غير مريحة رغم جرعات التفاؤل التي حاول الرئيس المكلف سعد الحريري وغيره من أهل القرار ضخها وإعطاء انطباعات وكأن عملية التأليف اصبحت في قبضة اليد.
ليس خافياً على أحد ان الرئيس المكلف عاد من اجازته التي قضاها في الخارج حاملاً في جيبه مسودة تتعلق بتوزيع الحصص على القوى السياسية وفاتح بها رئيس الجمهورية عندما زاره في قصر بعبدا غير ان الأخير لم يعطه أي جواب، لكن سرعان ما أتت الأجوبة الرافضة لهذه المسودة من قبل «القوات اللبنانية» التي رفضت التراجع عن موقفها المطالب بخمسة وزراء، وكذلك فعل النائب وليد جنبلاط الذي رفض ان يشاركه أحد في الحصة الدرزية، ناهيك عن مطالبة النواب السنّة الذين هم خارج فلك تيّار «المستقبل» بأن يتمثلوا بوزيرين، وكذلك إصرار رئيس الجمهورية على توزير النائب طلال أرسلان تلبية لوعد سابق، كل هذه الأمور تجمعت وتحولت إلى حقل ألغام امام الرئيس المكلف الذي فرمل اندفاعه وعاد إلى المربع الأوّل منتظراً فرصة ثانية للقيام بجولة أخرى من المفاوضات. وكما هو معلوم فإن الرئيس نبيه برّي حاول ان يضغط باتجاه التأليف قبل سفره لقضاء اجازته السنوية في الخارج لكنه لم يوفق كون ان كل القوى السياسية المعنية قد بقيت متمترسة وراء مواقفها رافضة العمل على قاعدة تبادل التنازلات أو التراجع عمّا تطالب به ولو قيد أنملة.
كل هذا في كفة وما برز من اشتباك بدأ «توتيرياً» بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» في كفة ثانية حيث ساهمت المواقف النارية المتبادلة إلى الاطاحة بكل أمل في إمكانية الوصول إلى تسوية تخرج الحكومة العتيدة من بئر الخلافات.
وما زاد الطين بلة ما أعلنه الوزير جبران باسيل في أعقاب اجتماع تكتل «لبنان القوي» من ان الاتفاق السياسي بين «القوات» و«التيار» لم يعد قائماً، لأن من شأن ذلك ان يُعيد خلط الأوراق ويزيد الأمور تعقيداً، خصوصاً وأن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع الذي زار «بيت الوسط» لم يبدِ أي مرونة في إمكانية ان تقبل «القوات» بما يطرح عليها من حصص لا سيما لجهة إسقاط موقع نائب رئيس الحكومة من حصتها على غرار ما كان عليه الوضع في حكومة تصريف الأعمال.
وفي دلالة واضحة على عمق هذا الخلاف كان ما أعلنه جعجع من أن تأليف الحكومة سيتأخر لأسابيع لأن العقد في تقديره ليست سهلة للحل.
هذا المشهد السياسي غير المتوازن يجزم بأن لا حكومة في الأفق القريب، وأن كل ما هو متعلق بالتأليف قد عاد إلى نقطة الصفر، لا بل ان عجلة المشاورات تفرملت بعض الشيء إلى حين عودة رئيس مجلس النواب نبيه برّي من اجازته الخارجية، وهو ما يعني ان أصحاب الشأن سيكونون امام مرحلة أخرى من التشاور وحياكة الصيغ الجديدة توصلاً للتأليف بعد ان أصبحت أوراق كل القوى المعنية مكشوفة.
وتؤكد مصادر سياسية صحيح أنه يدخل في عملية تأليف الحكومات في لبنان عوامل داخلية وخارجية، غير ان هذه المرة فإن العامل الداخلي هو المتحكم بعملية التشكيل بمعنى ان العقد هي داخلية أكثر منها خارجية، جازمة بأن تأليف الحكومة لن يستغرق ساعة من الوقت بعد إعلان القوات اللبنانية قبولها بما يطرح عليها من حصص، وبعد ان يتنازل النائب وليد جنبلاط عن وزير من حصته الدرزية، والتفاهم مع رئيس الجمهورية على مسألة نائب رئيس الحكومة الذي يُشكّل عقدة أساسية في التأليف وربما تتفاقم هذه العقدة مع «القوات» بعد ان أعلن مكتب رئاسة الجمهورية في بيان له بأنه يحق لرئيس الجمهورية ان يختار نائب رئيس الحكومة وعدداً من الوزراء.
وتلفت المصادر السياسية إلى ان الرئيس المكلف سيكون امام عملية حسابية جديدة تتعلق بتوزيع الحصص بعد ان أصبح لديه فكرة واضحة عن مواقف الجميع، وفي حال حصل ذلك واستطاع إحداث خرق في جدار المطالب السياسية ووجدت مناخات حاسمة للتأليف فإن رئيس المجلس بالتأكيد لن يتوانى عن قطع اجازته ولو كان في الصين ويعود إلى بيروت للتشاور وأخذ الصورة التذكارية.
غير ان هذه المصادر تعود لترسم عدّة إشارات استفهام حول إمكانية النجاح في ولوج عملية التأليف في وقت قريب، متمنية ان لا يؤثر ذلك على القطاعين الاقتصادي والنقدي لا سيما وأن عدّة تحذيرات أطلقت على لسان مسؤولين لبنان وفي مقدمهم الرئيس الحريري من إمكانية انزلاق لبنان في اتجاه الهاوية اقتصادياً ومالياً بفعل الخلافات السياسية التي هي بالتأكيد ستعطي صورة غير صحيحة عن الوضع اللبناني للخارج.