لم يكن مصير ساحة الشرق الأوسط مرتبطاً باجتماع دولي على غرار ما يحصل اليوم، إذ سيُحدّد اتّجاه الريح التي ستلفَح المنطقة، مع ما يعني انعكاس ذلك على المسرح المشتعل أساساً منذ أعوام عدّة.
المؤشّرات التي ظهرت أخيراً تُعزّز استنتاج المتفائلين الذين يعتقدون بأنّ تفاهماً ما لا بدّ أن يحصل، لأنّ الخلاف ممنوع كونه سيفتح أبوابَ جهنّم على الجميع. وهؤلاء يراهنون على إعلان نيّات أو مبادئ عامة تسمح باستكمال المفاوضات بين إيران ودول (5+1) وفق أسُس واضحة لمدّة محدّدة ونهائية (يُقال بأنّها لسَنة واحدة) يعلن في نهايتها الاتفاق الكامل. وهذه المبادئ العامة، في حال أُعلِن عنها، ستُعتبَر إنجازاً كبيراً يفتح الأبواب أمام مرحلة جديدة في المنطقة.
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يتبنّى هذا الاقتناع، ولو أنّه بدا حذراً بعض الشيء وفق ما نقلت عنه أوساط ديبلوماسية عربية.
فالولايات المتحدة الأميركية باشرَت المرحلة الثانية من حربها ضد «داعش» من خلال إرسال مزيد من جنودها إلى العراق، وهي ما كانت لتقوم بهذا الإجراء لو لم تُحقّق تقدّماً في ملفّها العالق مع إيران، حيث راجَ كلامٌ كثير عن استثمار اميركي لانفلاش «داعش» بهدف الضغط على ايران.
لا بل أكثر من ذلك، إذ زار الرئيس العراقي ورئيس حكومته ومسؤولون عراقيون كبار المملكة العربية السعودية، وهو ما كان ليحصلَ لولا وجود موافقة إيرانية، ما يعني وجود اقتناع باعتماد الحوار والتفاوض، وليس الانزلاق في مزيد من الصراع العسكري.
وفي موسكو، زيارة لافتة لوزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل الذي بحثَ مع كبار المسؤولين الروس في الملف السوري، ومن البديهي القول إنّه ما كان ليزور روسيا في الأساس لولا وجود نيّة بإنجاز تفاهم ما مع القيادة الروسية في شأن سوريا.
وفي المعلومات أنّ موسكو تفاهمَت مع الضيف السعودي على تبديد العوائق التي تعترض إعادة إحياء «جنيف 3»، من خلال التباحث مسبَقاً في الإصلاحات السياسية وإعادة توزيع الصلاحيات والخطوط العريضة للحكومة المقبلة. وهذا الأمر من المستحيل حصوله في حال المواجهة الأميركية – الإيرانية.
وحتى على المستوى اللبناني، فإنّ بَدءَ الحوار غير المباشَر بين تيار «المستقبل» و»حزب الله» لا يمكن أن يحصل، من دون موافقة سعودية، وبالطبع إيرانية.
صحيحٌ أنّ التواصل الأوّل الذي عبَّر عنه الرئيس نبيه برّي لم يؤدِّ إلى أيّ جديد، بعدما طرَح «المستقبل» ملفّ الاستحقاق الرئاسي، إلّا أنّ بداية التواصل بحَدّ ذاتها تحمل معانيَ كثيرة.
لم تكن خطوة برّي حيالَ البحث في قانون جديد للانتخابات مجرّد حركة تهدف إلى استيعاب ردود الفعل السلبية على قرار التمديد لمجلس النواب. فرئيس المجلس قد يكون أراد تحضيرَ المسرح لمواكبة أيّ خَرقٍ قد يحصل على المستوى الإقليمي، ما سيفتح الباب أمام تسوية داخلية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. فالتسوية ستتضمّن في أوّل بنودها إنتاجَ قانون جديد للانتخابات النيابية.
ثمّة حركة غامضة تُحضَّر، ما جعلَ العماد ميشال عون مرتاباً. لذلك يحاول مثلاً الدخولَ من الباب العريض بالأسلوب الذي انتهجَه دائماً في لحظات مشابهة. فقرّر فتحَ أبواب التصعيد على مصراعيها من منطلق إجهاض القرار الذي يتحضّر المجلس الدستوري لإصداره، والقاضي بردّ الطعن. وهو قد يكون قرأ بتمعُّن كلامَ برّي الذي قال فيه إنّ عدمَ وصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية يجعل منه الناخبَ الأوّل في هذا المضمار.
وهذا كلامٌ واضح بأنّ وصول عون أصبح صعباً، لكنّه سيبقى صاحب الكلمة الأولى في اختيار الرئيس المقبل وحدَه دون غيره من الاطراف المسيحيين. وقد يحقّ لعون التساؤل هل كلام برّي نابعٌ من عنديّاته فقط أم أنّه بالتنسيق والتفاهم الضمني مع «حزب الله»؟
هذا في وقتٍ نُسِبَ فيه إلى مصادر «القوات اللبنانية» أنّها حقّقَت انتصاراً من خلال الطرح الذي قدّمه عون عبر برنامج «بموضوعية»، بانتزاعها اعتراف عون بشرعيتها التمثيلية المسيحية. لكنّ الحقيقة أنّ اللعبة في مكان آخر وأكبر بكثير من هذه الحسابات الضيّقة.
وهي حسابات تطاوِل كاملَ المرحلة المقبلة، وهو ما جعل الرئيس السابق ميشال سليمان مثلاً يسعى بقوّة لتأمين وصوله إلى رئاسة الفرنكوفونية بعدما فشلَ في إقناع عديد من الشخصيات للانضمام إليه في جبهة سياسية. وهو يدرك أنّ حظوظه للوصول إلى رئاسة الفرنكوفونية تعوقها مسألة جوازات السفر الفرنسية المزوّرة التي تداوَلها الإعلام اللبناني بشكل واسع خلال سَعيِه لتمديد ولايته.