لا يختلف اثنان على ان رئىس مجلس النواب نبيه بري ظاهرة في العمل السياسي، وربما من حسن الاقدار ان يشغل رئاسة الهيئة التشريعية في زمن الانهيارات الكبرى وفق اوساط مقربة من بري، لما يملك من عقلانية ممزوجة بالدهاء على طريقة عمرو بن العاص الذي «لم يدخل بستانا لا يعرف مخارجه» لقد جمع في شخصه رئاستين رئاسة البرلمان ورئاسة حركة «امل» وعلى الرغم من انه «فريق» الا انه بالقدر نفسه نجح في ان يكون حكما بين الجميع الى حد انه بات حاجة لدى فريقي 8 و14 اذار ومحجة في زمن المحن واذا ما استعصت الحلول فغالبا ما يبرع «ابو مصطفى» في اخراج ارنب من كمه يلهي به اصحاب الرؤوس الحامية، او يطلق «قفشته» ايام المنازلات في المجلس المغيّب اذا ما وصل النقاش الى حدود التصادم والخروج عن الاداب السياسية كما حصل ذات مرة في المجلس النيابي.
وتضيف الاوساط ان بري حلال العقد ومخترع طاولات الحوار يقف عاجزا حيال انجاز الاستحقاق الرئاسي، ربما لأن هذا الملف خارج السيطرة وربما لان المفاتيح خارجية، على الرغم من قناعته وموقفه المعلن ان بمقدور المعنيين انهاء الشغور ناصحا اياهم بالتقاط الفرصة اليتيمة لانتاج رئىس صنع في لبنان ولو لمرة واحدة فقط كون البلد الصغير منسي على الرفوف في لعبة الامم ما يعطي الافرقاء كامل الحرية بانتخاب الرئيس العتيد في ظل الغفلة الدولية لا سيما وان الجلسات التي خصصت لانجاز الاستحقاق الرئاسي تخطت الاربعين ولا حياة لمن تنادي.
وتشير الاوساط الى ان بري يرى في ترشيح النائب سليمان فرنجية من قبل «تيار المستقبل» فرصة ذهبية ولن تتكرر بوصول رئىس من فريق 8 آذار الذي يشكل جزءا منه الا ان اصرار الجنرال ميشال عون على السير في المعركة حتى النهاية كمرشح «لحزب الله» وتبني رئىس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع لهذا الترشيح يحول دون ذلك وقد اعلن بري في الاول من امس انه «منذ ان رشح الرئيس سعد الحريري فرنجية لرئاسة الجمهورية اصبحت معه ظالما كان ام مظلوما لانه كان جريئا اكثر من غيره حتى اكثر من حلفاء فرنجية غامزا من قناة فريق 8 آذار «مردفا» ان المصلحة الوطنية تقتضي ان يأتي الحريري رئىسا للحكومة وليس غيره وان توليه رئاسة الحكومة يساعد كثيرا في تعزيز الاستقرار الداخلي» ولكنه ليس مع المعادلة القائلة بالحريري مقابل رئاسة عون للجمهورية كونه يدعم ترشيح فرنجية، وعلى الرغم من كل المساعي للتقريب بينه وبين الجنرال الا ان الكيمياء مفقودة بين الرجلين فهما قماشتان متناقضتان في الشخصية وفي مقاربة الملفات الكبيرة منها والصغيرة.
وتقول الاوساط ان الحريري وجنبلاط يتراصفان الى جانب بري في ملف الاستحقاق الرئاسي، فثمة خيط سري يجمع الثلاثي المذكور في تحالف غير معلن او تقاطع في القناعات، لا سيما وان رئيس المجلس النيابي يرى بطريقة او باخرى ان 8 و14 آذار باتا من الماضي وان المرحلة تستدعي حصول توافقات جديدة بدل التمترس في خنادق التحالفات الا ان الفارق بين بري والحريري وجنبلاط، يكمن في ليونة الثاني وزئبقية الزعيم الدرزي الذي يسير وفق ما تمليه الرياح في الزمن الردئ الى حد انه قبل بالسير بالجنرال رئيسا «بس خلصونا» خصوصاً وان جنبلاط قلق على مصير الاقليات في مرحلة «تقسيم المقسم»، بينما «ابو مصطفى» تضيف الاوساط المقربة منه يرفض السير بعون وقد ابلغ وزير الخارجية جبران باسيل بالفم الملآن: لن انتخب عمك طالما يطعن في شرعية المجلس الممدد، واذا كان الجنرال يريد الوصول الى بعبدا عبر «تسوية» فان بري يرفض التسويات طالما يتعلق الامر بشرعية المجلس، واذا كان البعض ينتظر معجزة في جلسة 5 ايلول المقبل فان كافة المعطيات تشير الى ان اقفال ملف الشغور في الكرسي الان غير وارد، وربما قبل عام وكذلك اقرار قانون انتخابي جديد وحتى ذلك اليوم وتلك الساعة تصبحون على جمهورية.