Site icon IMLebanon

حساسية بري – عون المزمنة

ألم يكن ممكناً أن نتوصل الى النتيجة التي إبتكرها الرئيس سعد الحريري من دون هذا التحدّي الذي كان مطروحاً وبدا منه أن هناك مرحلة “تصفية حسابات” في مكان ما؟!

ولنكن صريحين نلقَ جواباً تتضّح به الصورة:

إنّ ما بين الرئيس نبيه بري والجنرال ميشال عون يمكن وصفه بـ “الأزمة المتمادية” فالرجلان على طرفي نقيض في مختلف نواحي الحياة السياسية والتعامل مع التطورات والأحداث والمستجدات.

إنهما خطان متوازيان لا يمكن أن يلتقيا إطلاقاً إلاّ… قسراً! حتى إذا رُفع الضغط عنهما راح كل منهما يتمدد في موازاة الآخر من دون إمكان التلاقي.

وليت ما بينهما من فوارق يتوقف عند المزاجين المختلفين كلياً. كما ليته يتوقف، الى ذلك، عند عدم “إستهضام” أحدهما الآخر. وليته يتوقف عند هذا أو ذاك فلا يتعداه الى النهجين المختلفين كلياً في التعامل السياسي، وفي النظرة الى المفهوم السياسي.

وليس هذا الثنائي المتناقض المثير للجدل فريداً أو نسيج وحده في السياسة اللبنانية… فقد عرفت الحياة السياسية اللبنانية ثنائياً كان لكل من طرفيه حساسية ضد الطرف الآخر… لذلك لم يتعايشا. إنهما المرحومان رئيس الجمهورية فؤاد شهاب ورئيس الحكومة صائب سلام.

بحكم البروتوكول يجلس رئيس الحكومة الى يمين رئيس الجمهورية الى طاولة مجلس الوزراء. ثم يجلس نائب رئيس الوزراء وهو عموماً “أعتق” الوزراء إشتراكاً في الحكومة الى يسار رئيس الجمهورية. وكلف فؤاد شهاب صائب سلام أن يشكل الحكومة… يومها لم تكن ثمة استشارات نيابية “ملزمة” تفرض على رئيس الجمهورية أن يكون مجرّد صندوق بريد يتلقى الأصوات ليكلف من ينال الأكثرية، إنما كان القرار الأول والأخير لرئيس الجمهورية الذي في عداد صلاحياته إقالة الحكومة أيضاً. أما تشكيلها فكان النص الدستوري يعطي الرئيس حقاً مطلقاً فيه، فهو الذي يعين الوزراء، وهو الذي  يختار منهم رئيساً لهم الخ… عندما كلف اللواء فؤاد شهاب صائب بك سلام تشكيل الحكومة لم يستطع أن يتعايش وإياه على طاولة مجلس الوزراء… بل “نبتت” لدى الرئيس الأمير اللواء (وتلك كانت ألقاب شهاب) حساسية فورية مفرطة تجاه السيكار  الذي كان لا يفارق اصبعي سلام السبابة والوسطى، كما لم تكن تفارق عروة “جاكيتته” تلك القرنفلة الشهيرة التي كان أريجها يصيب شهاب بدوخة، إذ باتت لديه حساسية من عطر زهر القرنفل أيضاً! علماً أن شهاب كان يدخن سيكارة من نوع “يننجيه” (إنتاج “الريجي” في لبنان). وأدى الأمر الى النهاية المعروفة: رحيل حكومة سلام وقيام حكومة رشيد كرامي المصغّرة… وحكم شهاب لبنان برشيد كرامي وكمال جنبلاط وبيار الجميل، رحمهم اللّه جميعاً.

وإذا كانت العلاقة السلبية بين شهاب وسلام محكومة بحساسية الرئيس الأمير اللواء تجاه السيكار والقرنفل، فإنّ خطورة سلبية العلاقة بين رئيس مجلس النواب ورئيس أكبر كتلة مسيحية محكومة بحساسيات لا تنتهي قد تبدأ إنتخابياً في جزين ولا تنتهي برلمانياً في رئاسة لجنة المال!

وإلا لما كان الأمر في حاجة الى المبادرة المشكورة للرئيس سعد الحريري حتى يسحب فتيل التفجير من واحدة كانت مرشحة لتكون أخطر الأزمات في هذه الأيام بعدما إتخذت منحى طائفياً عاماً.