Site icon IMLebanon

“الممانعة” تُفاوض: “الأمرُ لي”!

 

في زمن تساقط أوراق “التابوهات” اللبنانية والإقليمية، التي لطالما كانت شعارات جوفاء رنانة يتلطى خلفها الزعماء بانتظار اللحظة المناسبة لمحاولة النجاة بأنفسهم، فعلها فريق الممانعة وفي مقدمه “الثنائي الشيعي”، وبدا كمن يقول بصراحة وحماسة شديدتين..”الأمر لنا بموضوع إسرائيل في الحرب كما في التفاوض وما هو ممنوع على الدولة لا ينسحب علينا!”.

 

توقيت الرئيس نبيه بري الإعلان عن الإتفاق على إطار التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل، لم يكن عفوياً. مقتضى الإقرار بمبدأ الترسيم والإنخراط في المفاوضات، يعني ان الطرفين يلتزمان باحترام ما يتوصلان اليه من خريطة الترسيم، وعدم القيام باي اجراءات او خطوات يدرجها القانون الدولي كفعل عدوان على الطرف الآخر. لبنان ذهب متحمساً الى هذه الخطوة، ومن بوابة بري، وليس اي طرف آخر، كالحكومة اللبنانية، ولا رئيس الجمهورية الذي يوكل اليه الدستور واجب الاشراف والتوقيع على المعاهدات الخارجية.

 

ويدرك بري الذي تولى ادارة هذا الملف بالتنسيق العضوي مع “حزب الله”، ان هذا المسار المتصل بالعلاقة مع اسرائيل، انتقل من الادارة السورية التي تحكمت بهذا الملف في زمن مقولة وحدة المسارين اللبناني والسوري، الى مرحلة ادارة طهران لهذا الملف منذ ما بعد العام 2005. من هنا لا يمكن فصل موقف بري عن موقف السيد حسن نصرالله، ولا يمكن عزله عن الرعاية الايرانية لهذا الاتفاق.

 

ولعل من أبرز المخاطر التي يتخللها الذهاب في هذا المسار لبنانياً، يكمن في فهم أسباب الاندفاعة لدى “الثنائي الشيعي” الى توقيت هذا الاعلان اليوم، وليس قبل سنوات، وفي ظروف افضل للبنان؟ ليس مقنعاً القول ان لبنان في ظل الانهيار الذي يعانيه حقق في شروط التفاوض ما لم يستطع تحقيقه قبل خمس سنوات، منطق موازين القوى والسياسة لا يقبل ذلك، وبالتالي فان الأقرب الى المنطق هو قبول لبنان بما هو معروض عليه من واشنطن وربما اسرائيل. المخاطر تكمن هنا في المفاوض اللبناني الذي يذهب نحو التفاوض مع اسرائيل، فيما سيف العقوبات لا يزال مصلتاً، ولامس بري وحلفاء الحزب الممسكين بهذا الملف ومن خلفهم ايران، والذين قايضوا عملية التفاوض بحسابات ضيقة ولأولويات غير لبنانية.

 

ما يعزز من هذه الفرضية، هو ما قاله مساعد وزير الخارجية ديفيد شنكر”ان لبنان هو من يتمنع عن المباشرة بالتفاوض لانجاز الترسيم البحري”، وهو لم يخف استياءه من “إضاعة الوقت الذي لن يكون لصالح لبنان”. وفي زيارته الأخيرة الى لبنان، رفض شنكر لقاء المسؤولين اللبنانيين واستجاب اخيراً لطلب لقاء من مستشار بري علي حمدان، الذي طمأنه الى ان لبنان على وشك الاعلان عن موافقته على اتفاق الإطار بعدما رفض شنكر “تضييع الوقت” والإنصات لأي شروط او ملاحظات ووضعها في اطار كونها “مماطلة”وأن ما أنجز هو المعروض فإما يوافق لبنان او يرفض.

 

وكان بري اعلن غداة انفجار 4 آب عن انجاز اتفاق الاطار، ولا يمكن فصل هذا الاعلان في توقيته عن تداعيات الانفجار نفسه، كما كان الاعلان عن الاتفاق في توقيته الاحتفالي وقبل مجيء شنكر الى بيروت غير مفصول عن الرسائل التي اطلقها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو من على منبر الامم المتحدة ضد لبنان ولا سيما في ملف مخازن الاسلحة بين المدنيين، والمسبوق بالتفجير الغامض في بلدة عين قانا في اقليم التفاح. حلقات متصلة خلاصتها ان لبنان يذهب نحو الترسيم في ظرف عام لا يحسد عليه، بعدما كان قادراً ان ينجز هذه المهمة في ظرف سياسي ووطني وإقتصادي أفضل.

 

في المقابل فإن ما يغري إسرائيل وربما واشنطن، ان الثنائية الشيعية هي من يفاوض وهذا يوفر للإسرائيليين ضمانة لأي اتفاق في حال تم إنجازه. لكنه في المقابل هو رسالة غير مرضية نحو الداخل اللبناني، انطلاقاً من ان الأطراف الاساسية الممسكة بزمام السلطة والتي تتحمل المسؤولية الكبرى تجاه الأزمة المالية والسياسية، هي من تسابقت من اجل انجاز اتفاق الترسيم، وهي في ذلك تؤكد مجدداً المزيد من الليونة والاستجابة لمطالب الخارج، فيما لا تزال مصرة على التشدد تجاه مطلب الاصلاح وحلّ الأزمات الداخلية، كما فعلت مع المبادرة الفرنسية.