الساعة السياسية تشير إلى تعقيدات… وأمّا الساعة النفطية فتشير إلى اشتباكات؟! ها هو العدّ التنازلي يكاد يصل إلى 2 آب؛ موعد الجلسات المتتالية، التي دعا إليها الرئيس نبيه برّي، لعلّها تتمخّض عن حلّ داخلي متكامل سياسياً ورئاسياً وحكومياً وانتخابياً، أو بالحد الأدنى تؤسّس لهذا الحلّ، خصوصاً أنّ الوقت بدأ يضغط بقوّة، ويوشك أن يدهم الجميع.
الواضح، أنّ الطريق إلى 2 آب، ليس مفروشاً بورود تسهيلية، بل بغيوم تعطيلية، تحاول زرعَ الفشل المسبق للجلسات الثلاث، بالتشويش عليها وحَجبِ الرؤية عن الجوهر الحقيقي لـ«سلّة برّي»، وتقديمها كعنصر مسّ وتجاوُز للدستور و«الطائف».
من الطبيعي أن تُدغدغ تلك الغيوم السلبية مشاعرَ المعطلين، لكنّها لا تبعث السرور في نفس برّي، وإن كان غيرَ متفاجئ من نوايا المعرقلين، ومِن إصرارهم على افتعال التعقيدات، خدمةً لقانون الستّين ومحاولة فرضه مجدّداً أمراً واقعاً وشرّاً لا مفرّ منه، بما يُبقي الواقعَ السياسي على ما هو مِن انقسامات وفروقات ومناكفات.
أمام هذا الواقع، يبدو أنّ برّي ماضٍ في سياسة تحدّي التعطيل، متسلّحاً بالآتي:
– رفضه التسليم بالفشل، لأنّ ذلك قد يؤدي إلى انعكاسات خطيرة.
– إصراره على إبقاء، لا بل حماية «الخيط الرفيع» الذي ما زال يؤمّن الوصلَ بين القوى الداخلية، وبالتالي إحباط المحاولات، من أيّ جهة أتَت، لقطعِ هذا الخيط وتفجير التعايش بين اللبنانيين.
– إصراره على إيجاد «الرطوبة» الإيجابية في الواقع الداخلي، رغم كلّ أسباب وعناصر الجفاف والسلبية الموجودة. وهذا معناه استمراره في سياسة الحفر في الصخر والمضيّ في محاولة استشراف الوسيلة الأنجع للحفاظ على الجهوزية المطلوبة لتلقُّفِ أيّ لحظة سياسية إقليمية أو دولية، مؤاتية للبنان، قد تؤمّن تسوية سياسية تُرضي جميعَ الأطراف.
– إدراكه حدود الممكن، أي المقبول على صعيد الداخل سياسياً وطائفياً، وحدود المستحيل في التركيبة السياسية الداخلية، بما يعني تجنّب أيّ طروحات قد تُفجّر البلد. وإدراك برّي يتوّج بتأكيده الحفاظ على الكيان؛ شعباً ودولةً ونظاماً ومؤسسات، وفي السياق تندرج جلسات آب، للبحث عن حلول تحت سقف «الطائف» وليس فوقه أو تجاوزاً له.
برّي ينتظر الثاني من آب، وأبلغَ المستفسرين قوله: «حتى الآن قدّمت ما لديّ، ولم أترك شيئاً إلّا وطرحته، نمتُ على الجنب اليمين، ثمّ على الجنب الشمال، جَوجلت الأفكار، لم أترك زاوية إلّا ودوّ!َرتها، ولا صخرةً إلّا وحاولت إبعادَها من الطريق، فماذا يريدون بعد؟ هل يريدونني أن أصعد إلى السطح وأرفعَ الأذان بالسلّة ومحاسنها»؟
في أيّ حال، يُضيف برّي، لن أستسلمَ، وسأستمرّ في ما أنا بصدِده، ولمن يقول إنّ هناك سلة، أقول: «هناك بنود من جدول أعمال الحوار مطروحة للبحث، ويمكن أن نتجاوز كلّ التعقيدات ونخرجَ بحلول إذا ما صَفت النوايا».
وتلك النوايا أشار إليها برّي في خطابه الأخير أمام المؤتمر الاقتصادي الاغترابي الأسبوع الماضي، مع التطرّق إلى استمرار رهانه على إيجابية الالتقاء السعودي – الإيراني، لبنانيّاً. ما لفتَ الانتباه إلى أنّ برّي تلقّى شكراً من السفيرين السعودي علي عواض عسيري والإيراني محمد فتحعلي، في موعدين منفصلين، طُلبا على عجَل بعد الخطاب.
وبقدر ما يُعوّل برّي على نجاح جلسات آب، يُعوّل على حلّ نفطيّ قريب، ولكن يبدو أنّ الرياح السياسية تعصف بالسفن النفطية، ورائحة الحلول التي عبقت في الأجواء الداخلية أخيراً، جفّت وتراجعَت، وحرارة التعقيدات التي توالت في الأيام الاخيرة، بدأت تُنذر باشتعال وشيك للنفط السياسي.
مع ذلك ، ظلّ برّي يُصرّف فعلَ الانتظار إيجابياً، كان يتوقّع أن تُدعى اللجنة الوزارية إلى الانعقاد في أيّ لحظة، في وقت كان الوزير علي حسن خليل قد أنجَز ما هو مكمل للمراسيم النفطية، ويتعلق بالشقّ الضريبي لتعرفَ الشركات على أيّ مخدّة ضريبية ستنام وما لها وما عليها، ولكن صار الوقت يمرّ، وبدلَ أن تتقدّم الأمور إلى الأمام، تراجَعت إلى نقطة الصفر، وبدأت حملة سياسية على التفاهم النفطي، وخصوصاً ممّن كانوا متحمّسين له! فوجئ برّي بهذا التصعيد النفطي، حاول أن يقف على الأسباب التقنية، فلم يجد ما يوجب ذلك، لكنّ «أنتيناته» السياسية التقَطت ما هو أعمق وأبعد، ولم يتردَّد في مصارحة من يَعنيهم الأمر وتحديد مصدر التعطيل، بلا ذِكر أسماء: «كنّا نسير بالملف النفطي بشكل طبيعي، ولكن توقّف الأمر فجأة. كلّ الأمور واضحة بالنسبة إليّ، فتّشوا عمّا وراء الأكمة».
«وما أخشاه»، يضيف برّي، «هو أن تكون هناك أيادٍ خبيثة، تعمل لمصلحة إسرائيل، وأكثر ما أخشاه أن يكون هناك لبنانيون يتجاوبون قصداً أو عن غير قصد مع هذا التعطيل للملفّ النفطي. أنا لا أريد اتّهام أحد، ولكنّني لا أفهم لماذا يُراد تعطيل النفط، بل لماذا يُراد خدمة إسرائيل»؟
ويَرفع برّي نَبرته التحذيرية في هذا السياق، فيقول: «هذا الموضوع شديد الأهمّية بالنسبة إلى لبنان، وبالتالي هو في منتهى الحساسية، وسيؤدّي هذا التعطيل المتجدّد له إلى مشكلة كبيرة في البلد، فليَعلموا أنّني لن أسكت، هذا الموضوع يجب أن يحصل، لا أقول ذلك خدمةً لنبيه برّي، أو هو لمصلحة حركة «أمل»، هناك من يتعمّد ربط ما حُكي عن اتّفاق بيننا وبين العماد ميشال عون بمصلحة شخصية لبرّي. أنا أتحدّى هؤلاء أن تكون لـ«أمل»، على مرّ تاريخها، أيّ شراكة في أيّ قطاع.
لمرّة أخيرة أقول: هذا النفط هو مصلحة حيوية للبلد، لقد تأخّرنا بما فيه الكفاية، وإذا ما أنجَزنا هذا الأمر، كلٌّ يرتاح وينتعش، ديونُنا ترتاح، سياحتُنا، اقتصادُنا…، كلّ شيء عندنا يرتاح، ونظرة العالم إلينا تختلف، وبالحد الأدنى يحترموننا أكثر».
ووجَّه برّي «رسالة استياء» في الاتّجاه الحكومي، تنطوي على استغراب من التنصّل من الالتزامات، وأعطى إشارةً واضحة بأنّنا لسنا نحن مَن تَحمّس أكثر من رئيس الحكومة، فقد فاتحتُه في الموضوع في جلسة الحوار، وكان شديد التجاوب، ولإنجاح الأمر طرح أن يصار إلى اتّفاق سياسي مسبَق حوله لكي يَبني على الشيء مقتضاه في الحكومة… وعلى هذا الأساس صرنا نعمل، ولكن هناك مَن تراجَع.
وهنا أسأل «شو عدا ما بدا»، فهل إنّ مَن تراجَع، قد تراجَع من تلقاء نفسه، أم أنّ هناك جهةً ما أو شخصاً ما أو نافذاً ما، قد ضغَط مِن مكان ما للتراجع… والتعطيل؟