لا شك في ان « تويتر» لعب دوره بإتقان على خط الردود بين رئيس الحكومة سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، فتطور الخلاف الى تخطيّ الحدود بين رفيقيّ الدرب السياسي المتأرجح دائماً، بسبب هفوات جنبلاط التي لن تنتسى من اذهان الحريري. فكان الخلاف الاول بينهما حين اراد زعيم الحزب «التقدمي الاشتراكي» إختيار الخط الوسطي في السياسة، بعد ان انتقل من اقصى اليسار الى اقصى اليمين، ومن ثم العكس فعمل على إسقاط حكومة الحريري في العام 2011 وسمّى نجيب ميقاتي رئيساً مكانه، بعدها حصلت قطيعة بين الحريري وجنبلاط وغادر الاول لبنان لسنوات، الى ان حصلت تطورات سياسية لبنانية واقليمية ارجعت الحريري، وبالتالي اعادت المياه الى مجاريها نوعاً ما على خط بيت الوسط – المختارة.
لكن ما جرى قبل ايام من ردود متبادلة بين الرجلين، ووصف جنبلاط للحريري بـ «المفلسين الجدد» دفع الأخير للرد خلال عشاء رمضاني، اذ قال: «نعم أنا من المفلسين الجدد، ولكن من المستحيل أن أعمل أي قرش من هذا البلد، غيري يكسب وكسب في السابق قروشاً من هذا البلد وسأحاربهم لآخر دقيقة، ومن يريد أن يتعاطى معي على هذا النحو «فليبلط البحر»، فرّد جنبلاط بتغريدة صباحية قوية» ان تبليط البحر من اختصاص سوليدير، والافضل قبل الانفعال سؤال ابراهيم حزبون خبير الافلاك لمعرفة الكوكب المناسب للتبليط».
هذه التعليقات التي إفتتحها جنبلاط عاد ليصفها بالتعليقات القاسية، لكن وبحسب متابعين لما يجري على خط الخلاف فهي اتت رداً على محاولة رئيس الحكومة اقناع رئيس الاشتراكي بالتأهيلي. لكن تراجعه عن تلك التغريدات اتت بعد وساطة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي يعمل على خط المصالحة لانه صديق للرجلين، ما دفع بجنبلاط للقول «إعتبر الحريري بأنني قصدت شركته التي أصيبت بالإفلاس، وأنا لم أكن أقصده». في حين يرى المتابعون بأن التحالفات المستجدة التي خلطت الاوراق السياسية على الساحة اللبنانية أغضبت جنبلاط، خصوصاً التقارب القائم بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، الامر الذي اخاف رئيس الاشتراكي من إمكانية حصول تحالفات انتخابية ستشكل خطورة عليه وخصوصاً في عقر داره.
الى ذلك يعتبر المتابعون لما يجري بأن الخلاف الحريري- الجنبلاطي كان بمثابة النار تحت الرماد، وإن حاول الرجلان على مدى سنوات تبادل الغزل السياسي، إلا ان هفوات جنبلاط لا تنسى عند الجميع مما طالتهم تقلباته السياسية. مشيرين الى ان نار الانتخابات النيابية وقوانينها المطروحة لم تعجب جنبلاط على مدى اشهر، لانه خائف على عدد كتلته، لكن اليوم عاد ليرضى خصوصاً بعد وصفه الإتفاق على الخمس عشرة دائرة بالمتوازن، والذي يحفظ حقوق الجميع وتمثيلهم، بحيث لا يمكن لأي طائفة أن تفرض إرادتها على الطائفة الأخرى، أو مصادرة إرادة الطرف الآخر إستناداً إلى العدد، كما أن رفض مسألة نقل النواب والمقاعد من مناطق الى أخرى، هو أمر مهم جداً وممتاز للحفاظ على التنوع والعيش المشترك بين اللبنانيين.
هذا ويُذكّر المتابعون بأن العلاقة بينهما لطالما مرّت بـ «طلعات ونزلات» وآخرها مشاركة رئيس الحكومة في حفل توريث تيمور جنبلاط بحيث صعد الى المختارة وكان حضوره لافتاً لدى جنبلاط، بعدها بأسابيع كانت زيارة وفد من «اللقاء الديموقراطي» للرئيس الحريري لجسّ نبضه من النظام التأهيلي، الذي طرحه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل فكان موقفه منه ايجابياً، وحينها حصل خلاف بين الحريري والوفد، بعدها توالت تغريدات جنبلاط ومن ضمنها تغريدة عن تدمير التراث و«لطشات» اصاب خلالها وزير الثقافة غطاس خوري المحسوب بقوة على رئيس الحكومة، والى ما هنالك من تغريدات ومن ضمنها ما قاله عن قمة الرياض.
كل هذا اغضب جنبلاط وجعله يعّد للعشرة بحيث شعر وكأنه يفقد دوره، او كأن هنالك مجموعة متآمرين عليه بموافقة رئيس الحكومة، وبالتالي لم يعد يشعر بأنه رجل الوسطية او بيضة القبان التي لطالما وُصف بها من قبل الجميع، فوقف كالعادة الى جانب رئيس المجلس النيابي الذي لا يؤمن إلا به حليفاً حقيقياً خصوصاً بعد رفضه للتأهيلي.
ويختم المتابعون بأن غيمة صيف عابرة لا اكثر بين الزعيمن، خصوصاً ان الرئيس بري يتدخل كالعادة للوساطة وهي قائمة اليوم بشدة، والدليل تراجع التغريدات وعدم كتابتها من قبل الطرفين، تمهيداً لإعادة الأمور إلى نصابها لان الجرّة لا يمكن ان تنكسر بينهما.