لم يمرّ فوزُ اللائحة التي دعمتها حركة «أمل» وقوى سياسية أخرى في انتخابات نقابة الصيادلة مرور الكرام على عين التينة، بعدما تدفّق «نهر» من الصيادلة الى مقرّ الرئاسة الثانية لإهداء الفوز الكاسح الى الرئيس نبيه بري. تحلّق العشرات من المبتهجين حول رئيس المجلس الذي كاد «يختفي» وسط الحشد المحيط به، فيما كان يُسمع صوته وهو يشيد بالإنجاز النوعي ويهنئهم عليه.
تخلّى بري عن الرسميات وتماهى مع «القواعد» في الشكل والمضمون، مرتدياً «لباساً ميدانياً» يتناسق مع طبيعة المناسبة (بنطلون جينز وجاكيت سبور من دون أكمام)، ومبدياً الحرص على مصافحة الجميع خلال مغادرتهم، حيث وقف عند مدخل القاعة الفسيحة في عين التينة مودعاً إيّاهم فرداً فرداً، بعدما اصطفوا في طابور طويل.
وعندما تسأل «الجمهورية» بري عن «الدواء» المطلوب لمعالجة المرض الحكومي بعد استفحال العقدة السنّية، يجيب: «وفق المنطق، أعتقد انّ الحل عند رئيس الجمهورية».
وكان بري قد أبلغ الى المعنيين انّه و»حزب الله» و»اللقاء التشاوري» ليسوا في وارد التراجع عن مطلب تمثيل السنّة المستقلّين، ولا الرئيس سعد الحريري يبدو انّه في وارد التنازل، بعد الذي سمعه من الطرف الآخر، وبالتالي فانّ الرئيس ميشال عون قد يكون الأقدر على المبادرة في اتجاه معالجة العقدة السنّية.
وحين يُسأل بري عمّا إذا كان يشجّع الحريري على استقبال أعضاء «اللقاء التشاوري» بعد طلبهم موعداً للاجتماع به، يجيب: «لم يسألني الرئيس الحريري رأيي، ويبدو انّ بعض المحيطين به قد تكفلوا بالأمر».. ثم يتابع: «ليس المهم اللقاء في حد ذاته، بل النتيجة، وسواء انعقد أم لا، أنا أدعو رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف الى ان «يحلّوها»، بحيث يتم اختيار وزير من بين النواب الستة، حتى ننتهي من هذه المراوحة، لأننا لم نعد نملك ترف الانتظار».
ولماذا لا تتنازل عن مقعد شيعي للنواب السنّة المستقلّين، وأنت المعروف بمبادرات مماثلة في مواجهة أزمات سابقة؟
يجيب بري: «اني تنازلت مرّة عن مقعد من أجل توزير فيصل كرامي، ومرّة أخرى عن حقيبة هي «الاشغال» من أجل إنصاف تيار «المردة»، ولم يكن لديّ أي مشكلة في هذا الصدد، لأنني اعتبر أننا في صف واحد مع حلفائنا، وأكرّر، انّه حتى خلال مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة تنازلنا، انا و»حزب الله»، عندما قبلنا بنيل ستة مقاعد وزارية فيما نحن نشكّل معاً أكبر تكتل في لبنان كون كتلتي «التنمية والتحرير» و»الوفاء للمقاومة» تضمان مجتمعَتين 30 نائباً، وقد سبق ان تفاهمت مع السيد حسن نصرالله على ان نساهم في تسهيل تأليف الحكومة وأن لا نرفع سقف مطالبنا على رغم من انّ ذلك هو حق لنا». ويضيف: «من المفارقات على سبيل المثال، انّ كتلة «القوات اللبنانية» التي تضمّ 15 نائباً حصلت على أربعة وزراء، بينما كتلتنا المكوّنة من 17 نائباً نالت ثلاثة وزراء فقط، فأين المعيار الواحد هنا؟ ومع ذلك لم نتسبب بمشكلة ولم نطلب حصة أكبر تتناسب مع حجمنا النيابي، وعلى الآخرين الآن إبداء مرونة في التعاطي مع حق «اللقاء التشاوري» في الحصول على وزير لنتوقف عن الدوران في هذه الدوامة».
ولا يلبث بري ان يعرّج على اجتماعه مع رئيس مجلس النواب البلجيكي، قائلا بابتسامة: «من المعروف انّ تشكيل الحكومات في بلجيكا يستغرق وقتاً طويلاً لامس أحياناً حدود الـ600 يوم، وكان يمكن للبنانيين ان يأخذوا العبرة من هذه التجربة، لكن يبدو أننا نصرّ دائماً على ان نتعلم من كيسنا، بعد ان نكون قد دفعنا ثمناً غالياً».
ويتمدّد النقاش مع بري الى خارج الحدود، على وقع التظاهرات الصاخبة في فرنسا، فيما كان الوزير علي حسن خليل يعرض صوراً حيّة عن مظاهر الفوضى والتخريب التي رافقت الاحتجاجات في باريس. يتمعن بري في الصور، ويعلّق قائلاً: «أرجأنا زيارتنا الى هناك في انتظار ان نعالج وضعنا، فإذا بفرنسا عالقة في أزمة تنتظر من يعالجها». ثم يضيف ضاحكاً: «عَجَبك.. وصلت التظاهرات والفوضى الى «شارع بري» المتفرع من الشانزليزيه!».
وما لبث أحد الموجودين ان عرض صورة على هاتفه الخلوي للرئيس سعد الحريري وهو يقف امام يافطة في أحد شوارع باريس، مشيراً اليها بإصبعه، وقد كُتب عليها بالفرنسية: «شارع بري». وأُرفقت اللقطة بتعليق افتراضي نُسب للحريري، وفيه: «لاحقني الرئيس بري لهون».
وانطلاقاً من الحدث الفرنسي، إستعاد رئيس المجلس بعض المحطات التي كان شاهداً عليها خلال دراسته الجامعية في باريس، ومنها التظاهرات الطالبية في تلك المرحلة. ويروي بري كيف انّه عاد الى بيروت بقطعة حجرية من آثار الاحتجاجات، وضعها في مكتبه للمحاماة الى جانب تمثال رمزي لمحام ومجموعة قصص كتبها وحازت على جائزة، ليُفاجأ بأنها سُرقت جميعها أثناء احدى المعارك في العاصمة.
لاحقاً، وخلال تمثيل بري حركة «أمل» في الاجتماعات مع الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، توجّه الى الحاضرين ممازحاً: «أعيدوا لي المسروقات، شو بدكن فيهن»..