في كل جلسة تلتئم اللجان النيابية المشتركة لقانون الانتخاب، عودٌ على بدء بنتيجة صفر. تسهب في المناقشة والجدل، ثم تحدد موعداً لاحقاً بلا توقعات، ما خلا تأكيد المؤكد: التحاق استحقاق 2017 بقانون 2008
مفارقة قانون 2008 الذي يجهر الافرقاء جميعاً برفضه، انه منبثق من تسوية الدوحة التي شاركوا فيها دونما استثناء أحد. مع ذلك يتنصلون منه، واحداً بعد آخر، وفي قرارة كل منهم التمسك به اكثر من ذي قبل على ان لا بديل منه، او في احسن الاحوال، لا يزال يتعذّر الاتفاق على سواه.
تدرّج عمل اللجان النيابية المشتركة منذ باشرت مهمة، سبقتها اليها عامي 2012 و2014 خمس لجان مشتركة وفرعية، من مناقشة لائحة طويلة من مشاريع القوانين واقتراحات القوانين، الى حصر المناقشة بصيغتي قانون مختلط، الى الاختلاف العميق عليهما بما لا يُنبىء بأي اتفاق محتمل، وصولاً الى شغور جدول اعمال اللجان من اي بند تقريباً. هو عملياً ما بلغته جلسة الثلثاء بوصولها الى الحائط المسدود: لا التصويت النسبي المطلق يسهل التفاهم عليه، ولا المقيّد كذلك. وهذه حال التصويت الاكثري الذي بات يواجه مشكلة من طراز مختلف.
ما بين عامي 1992 و2000، كانت الدائرة المصغرة باقتراع اكثري مطلباً مسيحياً رئيسياً. استمر كذلك حتى عشية اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 عندما اقترحت حكومة الرئيس عمر كرامي العودة الى الدائرة المصغرة، نسخة منقحة عن قانون 1960، رضي بها الحريري وحلفاؤه المسيحيون. ما لبثت ان اضحت في تسوية الدوحة عام 2008 برضى الافرقاء الحاضرين جميعاً، وكل منهم اقتسم في قانون الانتخاب القطعة التي تطمئنه الى مقاعده في مجلس النواب. كان القانون نموذجياً لموازين القوى حينذاك، واعتمدت دوائره تبعاً لاحجام ذلك الوقت التي لا تزال نفسها. الا انها وقعت اليوم ضحية تحالفات مختلفة ومتناقضة.
منذ ما قبل تمديد 2013 عملت اللجان على امرار الوقت بغية الوصول الى الاستحقاق دونما الاتفاق على قانون جديد، كي يمثل الجميع امام التحدي في انتخابات 2013 ثم 2014: المفاضلة بداية بين قانون جديد والقانون النافذ، ثم المفاضلة بين انتخابات نيابية وفق القانون النافذ او الوقوع في فراغ شامل في السلطة الاشتراعية، انتهاء بالوصول الى الايام الاخيرة من الولاية للمفاضلة بين التمديد والفراغ. على نحو مماثل من غير المستبعد الوصول الى استحقاق 2017، بعد عشرة اشهر من اليوم، موعد اجرائه في الشهرين اللذين يسبقان انتهاء الولاية، والتناوب مجدداً على المفاضلات نفسها.
ابطل المجلس الدستوري قانون انتخاب 1996 بسبب تفاوت المعايير
بعيد الجلسة الاخيرة للجان الثلثاء، اتى مَن يخبر رئيس المجلس نبيه بري عن مداولاتها التي تطرقت للمرة الاولى الى «مكوّنات كيانية» للدوائر الصغيرة من مقعدين في بشري وصيدا والبترون، بغية الابقاء عليها في التصويت الاكثري في المناقشات الدائرة في اللجان في القانون المختلط، فيما الرأي الذي يدعمه بري تخصيص مقعد على الاقتراع الاكثري، وآخر على الاقتراع النسبي في دائرة المقعدين. وهو ما اورده اقتراحه عن القانون المختلط. ما بلغ اليه جدل عقيم ساد المناقشات والاستفاضة في الكلام عن «مقاعد كيانية» في عدد من الدوائر حمل بري على القول: «كل منهم لا يزال يركب رأسه وجود 8 و14 آذار. خلصنا. اين هي 8 و14 آذار. لا في 8 هناك أحد، ولا في 14 هناك أحد».
ما توخته الفكرة الطارئة تعميم موقف النائب وليد جنبلاط عن «خصوصية» طائفته على الطوائف الاخرى. مثّل جنبلاط الاستثناء الذي لا يُرد طلبه في الحقبة السورية بوضع قوانين انتخاب ما بين عامي 1992 و2000 تفاوتت معايير دوائر المحافظات كلها ما خلا جبل لبنان الذي أبقي على الدائرة القضاء. «الدائرة الكيانية» في ذلك الحين، المرشحة لأن تسمى ايضاً «الدائرة الميثاقية».
ومع ان اقتراح القانون المختلط بصيغتيه، التي تقدم بها بري والتي تقدم بها تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، ليس جديداً وسبق ان اقترحته لجنة الوزير السابق الراحل فؤاد بطرس عام 2005 من ضمن مشروع اصلاحي متكامل لقانون الانتخاب لا يقتصر على توزيع الدوائر والمقاعد والاقتراع المزدوج، بل طاولت بنوداً ترتبط بآلية الانتخابات كالانفاق والاعلان والاعلام والهيئة المشرفة ومراقبتها، الا انه اصطدم كسواه من الاقتراحات بالاصرار على استخلاص نتائجه سلفاً. كذلك كانت من قبل مداولات لجان 2012 ــــ 2014.
واقع الامر ان اللجان، قبلاً والآن، تبحث في قانون انتخاب بعيد مما نص عليه اتفاق الطائف. في اي من استحقاقات 1992 و1996 و2000 لم تعتمد معايير اتفاق الطائف في وضع قانون يعتمد المحافظة دائرة انتخابية. في كل منها استثناءات، او تقسيم الى دوائر في حجم المحافظة، او اصغر منها، دونما ان تلحظ صحة التمثيل السياسي التي تكلم عنها الاتفاق، ما حمل المجلس الدستوري في القرار 4/96 الصادر في 7 آب 1996 على ابطال مواد قانون الانتخاب رقم 530 الذي مهد لانتخابات 1996.
في قراره هذا اعتبر ان «صدقية النظام التمثيلي لا تتوقف على المساواة في حق التصويت فقط، بل ايضاً على قاعدة تقسيم الدوائر تكون ضامنة للمساواة في التمثيل السياسي»، وان «المبدأ الاساسي في تقسيم الدوائر الانتخابية والتمثيل السياسي يجب ان ينطلق بصورة مبدئية من قاعدة ديموغرافية حتى يتحقق التمثيل الصحيح للاقليم والمواطنين». أخذ القرار على القانون اعتماد معايير متفاوتة في تقسيم الدوائر عندما لحظ جبل لبنان اقضية فيما الدوائر الاخرى هي المحافظة، من دون ان يأتي القانون على تبرير التدبير بأنه استثنائي. انتهى مطاف قانون 1996 المطعون فيه الى عودته الى مجلس النواب وتعديله بعبارة مقتضبة وبسيطة للغاية هي اضافته انه «لمرة استثنائية». مرر ذلك الاستحقاق بقانون متفاوت المعايير كما الذي سبقه عام 1992. بدوره قانون 2000 لم يعجب معارضة ذلك الزمان، ولا فيما بعد معارضة قوى 14 آذار قبل ان تمسك بفضله الاكثرية المطلقة في مجلسي 2005 و2009.
مذ ذاك لم يعد في مجلس النواب مَن يرضى بقانون لا يمنحه مجدداً النصف +1 على الاقل.