مرة أخرى يأخذ رئيس مجلس النواب نبيه بري ولا يعطي. سلوكه أمس في جلسة مجلس النواب الاشتراعية، بمخالفة الدستور، دفع سياسيين يتوخّون الموضوعية إلى الانحياز لوجهة نظر حزب الكتائب الأصولية في تمسكها برلمانياً بما ورد في “الكتاب”. انعقدت الجلسة تحت شعار تشريع الضرورة لكن الرجل عند أول اعتراض من صوب العسكر وحقوقهم أعاد سلسلة الرتب والرواتب بقرار مفاجئ إلى مقبرة اللجان.
ماهر وبعضهم يقول ماكر. يتلاعب بالأفرقاء من حوله ويضحك في سره، هكذا يصوّره سياسيون ومتابعون لحركته رأوه يشرّع في ما هو غير ضروري ويطوي صفحة الضروري. يَشتمّ هؤلاء رائحة تفاهم ضمني عقده مع الكتل النيابية الحليفة والمخاصمة على قاعدة التشريع في مقابل التمديد. وضع التشريع في جيبه على رغم أن الدستور في مواده 74 و75 و76 واضح جداً في نصه على استحالة التشريع بعد أن يتحول مجلس النواب هيئة ناخبة، قبل شهرين من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، أو بعد انتهاء الولاية في أسرع وقت إذا لم يحصل الانتخاب.
الماهر رفع إلى أعلى سقف تلويحه بانتخابات نيابية كي يشرّع المجلس كأن لا شيئاً غير طبيعي في البلد. انتخابات نيابية؟ يعلم كما الجميع أنها مستحيلة في بلاد تضع رجلاً في الحرب ورجلاً في السلم ويحاول جيشها وشعبها يومياً الآلام والألغام على المفترقات. يدرك أن القوى الأمنية والعسكرية ليست في وارد التلهي بحماية انتخابات، فيما هي محتشدة لمواجهة خطر “داعش” على الحدود و”دواعش” في الداخل أيضاً. وإن التهاب نقاط الحدود (شمال شرق) استدعى تخفيف قوى كبيراً على حساب القرار الدولي 1701. على رغم ذلك جرّ الجميع تقريباً إلى موافقته على ما يريد، آملين في أن يحول بحركة ساحر أخرى دون وقوع فراغ آخر يحتمل ألاّ يقل هولاً عن الأول، فلا تحصل انتخابات – وقد سقطت كل مهلها – ولا تمدد ولاية مجلس النواب. أخافهم جميعاً بإيحاءات متلاحقة أنه غير سائل عن شيء وأصلاً غالبية نوابه سيفوزون بتزكية أو ما يشبهها بانتخابات أو من دونها، وبما يتقرر بينه في التوزيعة النيابية لحصة الطائفة بينه وبين “حزب الله”.
من دون مجلس نيابي، في حال حلّه مثلاً وفقاً للدستور، أو انتهاء ولايته من غير تمديد في السياسة، يفترض الذهاب إلى انتخابات نيابية تنظمها الحكومة، وفي أول جلسة ينتخب المجلس الجديد رئيساً للجمهورية قبل أي عمل آخر. الخائفون من احتمال الفراغ البرلماني بعد الرئاسي يصرون على اعتبار أنفسهم “أم الصبي” – البلد. يسألون هل نتركه يفرط بمؤسساته الدستورية؟ في خلفيتهم أن بري غير سائل مع أنه أول المتضررين من تحوّله رئيساً سابقاً مضطراً إلى مغادرة عين التينة وعلى عجل. في خلفيتهم أيضاً خشية من مؤتمر تأسيسي تطرح فيه إعادة توزيع للسلطة ستمر عشرات الأعوام قبل أن يتفق اللبنانيون عليها، لكأن “المؤتمر التأسيسي” أمر سهل طرحه وتحقيقه. لا يتنبه هؤلاء إلى أن طائفة أو مذهباً واحداً إذا لم يوافق ويشارك فلا مؤتمر ولا من يأتمرون.
إلا أن التفاهم على التمديد حاصل، يقول المعترضون، والدليل أن لا أحد اعترض على سلوك بري في الجلسة التي حوّلها اشتراعية عادية. سيفي الرجل بالتزامه غير المعلن، ولكن ألم يكن الأفضل المقايضة على تشريع في مقابل انتخاب رئيس؟
سيظل هذا السؤال معلقاً كما هو معلق انتخاب الرئيس بتطور الوضع الإقليمي، في سوريا تحديداً. فثمة من يفكر في إطار لبناني ومن ينظر إلى لبنان على أنه جزء من خريطة منطقة يحارب فيها وتهمه كلها. وهذه ليست انتقاصاً بل محاولة وصف.