مع أن رحلة الرئيس المكلف حسان دياب حتى الآن في تأليف حكومته لا تشبه أياً من التي ألّفها أسلافه، بفرض المواصفات وعدد الوزراء والتشبّث ببعضهم كما بطريقته في توزيع الحصص، إلا أن التناحر على الحقائب في الساعات المنصرمة أعاد التذكير بالملهاة
لا يزال يُؤمل في أن يتمكن الرئيس المكلف حسان دياب من كسر الأرقام القياسية لتأليف حكومات ما بعد اتفاق الدوحة. غداً يكون انقضى شهر على تكليفه ترؤس الحكومة (19 كانون الأول 2019)، من غير أن يفقد فرصة خفض الرقم الأدنى إلى ما هو أدنى في تأليف الحكومات منذ عام 2008، وهو 44 يوماً، سجّله الرئيس فؤاد السنيورة على رأس حكومته عامذاك.
ومع أن حكومة دياب، كحكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011، مثّلت اللون الواحد والفريق الواحد، وقاطعها الذين يقاطعون حكومة دياب باستثناء وليد جنبلاط، تطلّب تأليفها 139 يوماً، وحازت ثقة 68 نائباً هو فريق اللون الواحد الذي أعطى، بالرقم نفسه، أصوات التكليف لميقاتي. وهي الحكومة التي اصطدمت في الأيام الأخيرة لتأليفها بالعقبة المسيحية، إلى أن ذُللت بحصول تكتل التغيير والإصلاح على ثلث مقاعدها، مستأثراً بمعظم المقاعد المسيحية، على نحو مطابق لما يفعله الوزير جبران باسيل اليوم. وشأن ما كان الثلث زائداً واحداً غير ذي جدوى في حكومة اللون الواحد، سيكون كذلك في ظل حكومة دياب.
كان الرئيس نبيه برّي مساء الخميس أقرب إلى الجازم بالاتفاق على إعلان حكومة دياب واحتمال صدور مراسيمها في الغداة. تحدث عن تذليل نقاط أخيرة توجب بعض الاتصالات والمشاورات وخصوصاً مع باسيل، قبل أن يُسأل رئيس المجلس أيهما يسبق الآخر: جلسة مناقشة موازنة عام 2020 التي تبدأ الأربعاء المقبل أم جلسة الثقة بالحكومة الجديدة؟
جوابه الأولي كان جلسة الموازنة التي تتقدم على ما عداها. ثم أضاف: «من الضروري لمجلس النواب إنجاز مناقشتها قبل نهاية هذا الشهر، كي نكون داخل المهلة الدستورية للتصويت عليها. أما إذا صدرت مراسيم الحكومة الجديدة قبل ذلك، فيقتضي انتظار إقرارها بيانها الوزاري قبل ذهابها إلى مجلس النواب. لديها مهلة 30 يوماً لوضعه. طبعاً لا وقت أمامها لاستنفاد هذه المهلة لإنجاز البيان الوزاري، المعروف المطلوب منه، وهو المعالجة الفورية للأزمات الاقتصادية والنقدية، لأن لا مهلة سماح أمامها. سنكون إذاً الأسبوع المقبل أمام جلسة مناقشة الموازنة العامة، من بعدها نذهب إلى جلسة الثقة».
سئل أيضاً: إذا صدرت مراسيم الحكومة الجديدة، هل يحق لها المثول أمام مجلس النواب للدفاع عن موازنة وضعتها الحكومة المستقيلة، أم تمثل حكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس سعد الحريري؟
جواب رئيس البرلمان: «ما إن تصدر مراسيم الحكومة الجديدة لا يعود ثمة وجود قانوني ودستوري لحكومة تصريف الأعمال. تالياً بتنا أمام حكومة جديدة. ثمة رأي يقول إن في وسعها حضور جلسة لمجلس النواب تقتضيها الظروف، وإن لم تكن قد حصلت على الثقة. لي رأي مغاير وهو أن الحكومة الجديدة، أي حكومة جديدة، لا يمكنها مباشرة ممارسة صلاحياتها ومنها المثول في جلسات مجلس النواب قبل نيلها الثقة. صدور مراسيمها يجعلها حكومة قانونية، إلا أنها ثقة مجلس النواب بها هي التي تجعلها دستورية. أولويتنا الموازنة».
سئل بري أيضاً، في ضوء الانطباع الإيجابي الذي عكسه عن احتمال إعلان الحكومة الجديدة خلال ساعات (أمس الجمعة)، هل ثمة قلق على نسبة الأصوات التي ستحوزها؟
إنجاز الموازنة حتميّ قبل نهاية الشهر التزاماً بالمهلة الدستورية
يجيب: “الأصوات معروفة. هي نفسها الأصوات التي حازها الرئيس المكلف في الاستشارات النيابية الملزمة، أي 69 صوتاً، وهي أصوات الكتل التي سمته، أي الفريق الذي يدعم الحكومة الحالية. أكثر من ذلك من أين نأتي به؟ تزيد الـ69 صوتاً أو تنقص صوتاً ليس الأمر مهماً. الثقة ستحوزها بنسبة مقبولة ومعقولة وليست هزيلة طبعاً. هي نسبة ما يزيد على النصف زائداً واحداً. في ما مضى ثمة حكومات حازت ثقة أدنى من النصف زائداً واحداً. الأكثرية المطلوبة هي الأكثرية العادية. هذه حكومة اللون الواحد، وأفرقاء هذا اللون سيمنحونها الثقة”.
عكس برّي انطباعاً إيجابياً إضافياً، هو تجاوز تأليف الحكومة بعض التحفظات، منها تحفظاته هو بالذات. كان يفضّل حكومة من 24 وزيراً كي يتسنى توزيع الحقائب الـ22 على الوزراء، ولا يحصل تسابق وتناحر وخلافات عليها على غرار ما شهدته الساعات المنصرمة. إلا أنه وافق أخيراً على حكومة من 18 وزيراً. كان يفضّل أيضاً حكومة تكنوسياسية على غرار سائر الحكومات السابقة، مع موافقته على عدم ضم وزراء حكومة تصريف الأعمال إليها. إلا أنه لم يرَ مبرّراً لاستبعاد حزبيين ونواب عنها، ما دامت الكتل البرلمانية هي التي تمنح الثقة. لكن الرئيس المكلف أصر على حكومة تكنوقراط.
يضيف برّي: “طوال المرحلة المنصرمة اختلفنا على تعريف وزير تكنوقراط. يتعاطى السياسة أم لا يتعاطاها؟ هل ثمة أحد في لبنان لا يتعاطى سياسة؟ من أين يؤتى بالتكنوقراط، وخصوصاً أن الكتل التي تمنح الثقة لا يسعها أن تفعل من غير أن يكون لها رأي في تأليف الحكومة. انتهى الأمر بإبدال تعبير وزراء تكنوقراط بوزراء اختصاصيين كي نحل المشكلة. أنا كنت سبّاقاً، منذ الأيام الأولى للتكليف، إلى تسمية وزير اختصاصي للحقيبة المرشّحة لحركة أمل وهي المال، هو الدكتور غازي وزني».
لم يرَ رئيس المجلس حاجة إلى تطلّب الثلث زائداً واحداً لأي فريق في الحكومة الجديدة “لأنها حكومة اللون الواحد والفريق الواحد. لا حاجة إلى الثلث زائداً واحداً وليس بيننا مَن نشهره في وجهه».
من ملف : تأليف الحكومة: بقيت عقدة فرنجية؟