«عين التينة» على الوطن و«عين التينة» على الإقليم.. في الداخل نظرة ارتياب من ذبذبات الصدى الطائفي الآخذة بالارتفاع تجييشاً لعواطف المسيحيين في مواجهة المكونات الوطنية الأخرى، وفي الخارج نظرة ارتياح لمسار التطورات الآيلة للحلحلة بعد منعطف الانسحاب الروسي العسكري من الميدان السوري.
فعلى المقلب الإقليمي، يبدو الرئيس نبيه بري واثقاً: كما غيّر دخول «القيصر» المعادلة العسكرية في سوريا فإنّ انسحابه منها سوف يغيّر المعادلة السياسية بالتفاهم مع العرب والأميركيين. وفي تقويمه لمفصلية الحدث، فإنّ الانخراط العسكري الروسي المباشر في ساحة المعركة لم يكن أصلاً سوى مدخل للحسم السياسي لا العسكري، سيما وأنّ قرار الانسحاب الروسي من شأنه أن يفتح خطوط التقارب مع العرب بما ينقل موسكو من طرف النقيض إلى طرف الوسيط لبلورة «طبخة» التسوية.
أما على المقلب الوطني، فلا يخفى الدور المحوري الذي يلعبه بري بالتكافل والتضامن مع الرئيس سعد الحريري لإيصاد الأبواب وإحكام أغلالها أمام شرارات الفتنة المذهبية المستعرة في المنطقة. وما بيان الوحدة الإسلامية الصادر عن لقائهما الأخير سوى خير استشعار بواجب التصدي لكل «الأدوات الفتنوية والحملات المذهبية المشبوهة» الرامية إلى وضع اللبنانيين مجدداً على «محاور التقاتل الداخلي».
غير أنّه وفي خضم انشغاله في تدوير الزوايا الحادّة بين «تيار المستقبل» و«حزب الله» لإبقاء مركب الحوار عائماً بينهما حفاظاً على طوق النجاة المركزي في مواجهة الأمواج الفتنوية المحدقة بالبلد، يقف بري حائراً متسائلاً إزاء التصعيد الطائفي المتصاعد على ضفة الرابية: «لوين بدّو ياخدنا عون؟» سؤال يختصر الكثير من الهواجس التي ينقلها زواره عنه تعقيباً على حملة التجييش الطائفية التي يشنّها رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» لغاية في نفسه «الرئاسية».
ولا يخفي بري استياءه العارم من تعاظم محاولات استثارة الحساسيات المسيحية وإيقاظ النعرات الطائفية بين اللبنانيين: ما الداعي لهذا الكم من شحن النفوس وشحذ الهمم الطائفية؟ يسأل، مستغرباً الإصرار على النفخ في أجواء «الذمية السياسية».
وإذ يوافق سائله الرأي عن الحرمان المناطقي اللاحق باللبنانيين، إلا أنه يلفت انتباه المسيحيين كما المسلمين إلى أنّ كل المناطق خارج نطاق العاصمة تطاردها لعنة الحرمان، لكن إذا كان كل طرف سيعمد إلى إثارة الموضوع من منطلقات طائفية، فعلى لبنان السلام.
سورياً، قرار الروس جاء «ليهدئ الرؤوس الحامية» التي تعوّل على «عسكرة» الحل وفق تقدير برّي.. أما لبنانياً فنصيحته للرؤوس الحامية التي تعوّل على «تطييف» الحل: الشحن الطائفي «ما بهدّي كتير وبينقلب عَ صاحبو»!