من أبرز علامات «الجهاد الأكبر» التي قصدها رئيس مجلس النواب نبيه برّي الجهاد المتعلّق بقانون الانتخاب الذي بدأ فعلاً بعد تأليف الحكومة وإقتراب صدور بيانها الوزاري.
الجهاد الأكبر يهدف الى تحقيق مجموعة أهداف دفعة واحدة، والعين هنا مصوَّبة على الطائفة السنّية وعلى أحادية تمثيلها بتيار «المستقبل»، كما على الساحة المسيحية، التي تستعدّ هي الأخرى لتلتحق بالأحادية من خلال الفوز المتوقع لثنائية «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية»، فيما لو أُجريت الانتخابات وفق قانون الستين.
وفي وقت لا تجاهر الثنائية المسيحية بتعلّقها بقانون الستين، يبدي تيار «المستقبل» علناً خشيته من النسبية، كما من القانون المختلط الذي طرحه برّي، والذي ترى فيه اوساط «المستقبل» انحيازاً في التوزيع النصفي لـ64 نائباً أكثرياً ونسبياً خصوصاً في ما يتعلّق بدائرتَي بعلبك الهرمل وبيروت الثالثة.
بطرحه النسبية التامة على أساس الدوائر الكبيرة، فتح «حزب الله» بابَ الكلام عن قانون الانتخاب. هذا الطرح رمي على الطاولة، بين مشروعَي قانون أحدهما مشروع برّي، والآخر مشروع الثلاثي تيار «المستقبل» ـ «القوات اللبنانية»ـ الحزب التقدمي الاشتراكي.
وهذان القانونان متقارِبان في الشكل من خلال التوزيع بين الأكثري والنسبي لكنهما متباعدان، من حيث توزيع المقاعد بين الدوائر، ففي حين يلحظ مشروع الثلاثي استثناء ثلاث دوائر من الانتخاب النسبي وهي دوائر صيدا والبترون وبشري، يخضع مشروع برّي هذه الدوائر للقانون النسبي، كما أنه يُوزّع انتخاب النواب داخل الدوائر الكبيرة (بعلبك، بيروت الثالثة) بنحوٍ غير متساوٍ ومستنسب وهذا ما يشتكي منه تيار «المستقبل».
هذا المشروع يبدو أنه حاصل على موافقة «حزب الله» لكن بلا حماسة، علماً أنّ الحزب طرح السقف الأعلى للتفاوض، أي النسبية الكاملة، تارِكاً لبرّي مهمة التوافق على مشروعه في اتصالات بدأ يجريها مع مختلف القوى.
كان سبق لبرّي أن دخل في اتصالات مستمرة مع «التيار الوطني الحر» حول القانون قبل انتخابات الرئاسة، لكنّ الإصرار المسيحي على عدم البحث في أيّ شيء آخر قبل انتخاب الرئيس عطّل الاتصالات.
وبعد انتخاب الرئيس ميشال عون استُؤنِفت الاتصالات، فالتقى برّي النائب ابراهيم كنعان مع وفد «التغيير والإصلاح»، كذلك التقاه بعيداً من الاعلام، حيث لوحظ أنّ «التيار» المستطيب قانون الستين ضمناً، لم يعد قادراً على الدفاع عنه لالتزامه الدائم بالنسبية مع «حزب الله» وحلفائه.
يجاهد برّي لتطبيق النسبية، هذا الجهاد مستمر، فعلى الرغم من أنّ الثنائي الشيعي يكسب مقاعده بقانون الستين بشبه تزكية، إلّا أنّ عينه على الكتل الأخرى الكبيرة مثل كتلة «المستقبل» التي لا يمكن تقبّل أن تعود الى المجلس بالقدرة والقوّة نفسها. التقدير هنا أنّ «المستقبل» يمكن أن يخسر فقط 3 أو 4 نواب من كتلته إذا ما خاض الانتخابات وفق قانون الستين.
وبالنسبة الى الثنائي المسيحي، هناك مصلحة أيضاً بأن لا يفوز في الانتخابات كما يُخطّط، الارقام تتحدث عن 45 الى 50 نائباً يمكن أن يفوز بها هذا الثنائي وفق الستين، وهذا ما لا يعجب الثنائي الشيعي، خصوصاً بعد التحالف الذي بُنيَ منذ تفاهم معراب.
في الطريق الى النسبية، يُواجه برّي حليفه الدائم النائب وليد جنبلاط، الذي يشعر بأنّ النسبية تضع السكين على رقبته. يتفاءل برّي بإمكانية إرضاء جنبلاط وإقناعه، عبر ترضيات من هنا وهناك منها المقعد الدرزي في حاصبيا. كما عبر ضمانات أخرى يمكن أن يساهم فيها برّي، لكن مع ذلك يبقى جنبلاط على رفضه الى درجة أنّ البعض نقل عنه إمكانية أن يعود الى «14 آذار» كما في العام 2005 لكي يُبعد عنه كأس النسبية.
مع الانطلاقة الحقيقية للحكومة بعد جلسات الثقة، يحضر موعد 18 كانون الثاني الذي يفترض أن تتشكل قبله هيئة الإشراف على الانتخابات النيابية، فإذا لم تتشكّل هذه الهيئة يصبح تأجيل الانتخابات حتمياً، ولو من باب الذريعة التقنيّة، حيث يشترط برّي للتأجيل كما بات معروفاً، وضع مادة ملزمة لإجراء الانتخابات في وقت محدَّد، وهو ما سيرفضه أطراف آخرون، وهذا ما يدخل الحكومة في أول مسيرتها في اختبار صعب، فضلاً عن اختبار حصول الانتخابات النيابية.
يأمل بري في أن يكون التزام «التيار الوطني الحر» بالتفاهمات التي حصلت قبل الانتخابات حول القانون الانتخابي ثابتاً، وهذا سيعني إن حصل ولادة حلف حول القانون مكوَّن من حركة «امل» و»حزب الله» و»التيار»، غير أنّ ما صرّح به الوزير جبران باسيل امس الأول حول التلويح بالقانون الأرثوذكسي، يعيد رسم خريطة المواقف من قانون الانتخاب الى الصفر.